هل يدي الله سبحانه وتعالى يمين وشمال أم يداه كلها يمين؟
سألني أحد الأخوة في منتدى آخر هذا السؤال في الحديث المذكور: ولمسلم عن ابن عمر مرفوعاً: "يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون, أين المتكبرون, ثم يطوي الأرضين السبع ثم يأخذهن بشماله, ثم يقول: أنا الملك, أين الجبارون, أين المتكبرون؟".
هل يدي الله سبحانه وتعالى يمين وشمال أم يداه كلها يمين جل وعلا؟
في اعتقاد أهل السنة إثبات اليدين لله عز وجل، من غير تشبيه ولا تكييف ولا تحريف ولا تعطيل ولا تأويل. ثم إثبات أن كلتا يديه سبحانه وتعالى يمين. فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين - الذين يَعدِلُون في حُكمهم وأهليهم وما وَلُوا".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقد جاء ذكر اليدين في عدة أحاديث، ويُذكر فيها أن كلتاهما يمين مع تفضيل اليمين". قال غير واحد من العلماء: لما كانت صفات المخلوقين متضمنة للنقص فكانت يسار أحدهم ناقصة في القوة ناقصة في الفعل، بحيث تفعل بمياسرها كل ما يُذمّ، كما يباشر بيده اليسرى النجاسات والأقذار بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم أن كلتا يمين الربّ مباركة ليس فيها نقص ولا عيب بِوَجْهٍ من الوجوه كما في صفات المخلوقين، مع أن اليمين أفضلهما كما في حديث آدم قال: "اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين مباركة". فإنه لا نقص في صفاته، ولا ذمّ في أفعاله، بل أفعاله كلها إما فضل و إما عدل، و في الصحيحين عن أبى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سَحَّاء الليل و النهار. أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم يَغض ما في يمينه، والقسط بيده الأخرى يرفع ويخفض".
فَبَيَّن صلى الله عليه وسلم أن الفضل بيده اليمنى، والعدل بيده الأخرى، ومعلوم أنه مع أن "كلتا يديه يمين" فالفضل أعلى من العدل، وهو سبحانه كلّ رحمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل، ورحمته أفضل من نقمته، ولهذا كان المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن، ولم يكونوا عن يده الأخرى وجعلهم عن يمين الرحمن تفضيل لهم، كما فَضَّل في القرآن أهل اليمين وأهل الميمنة على أصحاب الشمال، وأصحاب المشأمة وإن كانوا إنما عذَّبهم بِعَدْلِه، وكذلك الأحاديث والآثار جاءت بأن أهل قبضة اليمين هم أهل السعادة، وأهل القبضة الأخرى هم أهل الشقاوة. اه.
وقال ابن القيم رحمه الله: "ولما كان سبحانه موصوفا بأن له يَدَين لم يكن فيهما شمال، بل كلتا يديه يمين مباركة". اه.
أما الحديث الذي سألت عنه وفيه لفظ: "ثم يأخذهن بشماله" فقد قال القرطبي في المفهم: "كذا جاءت هذه الرواية بإطلاق لفظ الشمال على يد الله تعالى على المقابلة المتعارفة في حقنا، وفي أكثر الروايات وقع التحرّز عن إطلاقها على الله حتى قال: وكلتا يديه يمين، لئلا يُتوهّم نقص في صفته سبحانه وتعالى، لأن الشمال في حقنا أضعف من اليمين".اه . نقله الحافظ ابن حجر في الفتح. وقد جاء في رواية أبي داود: "ثم يأخذهن بيده الأخرى". والله تعالى أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: