حكم طاعة المرأة زوجها بترك صلة رحمها
لديَّ أختان متزوِّجتان من أبناء عُمومتي، وحدث بيني وبيْن زوجيهما مشاكلُ، وبناءً على المشاكل قام زوجاهُما بِمَنعِهما من زيارتي، وزيارة أمِّنا، حتَّى إنَّني مَمنوعٌ أن أزورهما، أو أحدِّثهما.
سؤالي: كيف لي أن أصِلَهما؟ وهل هناك ذنبٌ علي؟
وما الحل؟ وما هو حكم زوجِها في الإسلام؟ وهل لها أن تُحدِّثني من ورائه؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالزَّوجة إذا أمرها زوجُها بِقطْع رحِمها، لَم يلزمْها طاعتُه؛ لأنَّه لا طاعةَ لمخلوقٍ في معْصية الله عزَّ وجلَّ كما ثبت عنِ الصَّادق المصدوق في "المسند" وغيره؛ وقال صلى الله عليْه وسلَّم: "لا طاعةَ في معصِية الله؛ إنَّما الطَّاعة في المعروف" (رواه مسلم عن عليّ)، قال أبو عمر بن عبدالبر: "أجْمع العُلماء على: أنَّ مَن أمر بِمُنكرٍ لا تلزم طاعتُه؛ قال الله عزَّ وجلَّ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]".
وقال أبو العبَّاس القُرطبي في "المفهم": "إنَّما: هذه للتَّحقيق والحصْر؛ فكأنَّه قال: لا تكون الطَّاعة إلاَّ في المعروف، ويعنى بالمعروف هُنا: ما ليس بمنكَر ولا معصية، فتدْخُل فيه الطَّاعات الواجبة، والمندوب إليْها، والأمور الجائزة شرعًا".
فطاعةُ الزَّوج مقصورةٌ على ما كان منها في غيْر معصية، فإذا أمرَها بِقَطْع الرَّحم، التي هيَ من أكبر الكبائِر، المتوعَّد عليْها باللَّعن - فلا طاعةَ له.
وعليه؛ فلا يلزَم المرأةَ طاعةُ الزَّوج إذا أمر بِمنكر؛ كقطعِ رحِم الأخ أو الأمِّ، وطاعةُ الزَّوج ليستْ مُطلقة؛ بل مقيَّدة بِما هو جائزٌ شرعًا، فلو أمر بِما زجَر الشَّرعُ عنْه، فلا تَجب طاعته، بلْ تَحرم؛ تَمسُّكًا بقوله: "إنَّما الطَّاعة في المعروف"، وهذا ليس بمعروف.
وعليه فلا يَجوزُ للزَّوج منع زوجته من صلة رحمها، فإن فعل كان آثمًا ولا يجب على الزوجة طاعته؛ وهذا ما دلت عليه الأدلة الكثيرة، وقواعد الشَّريعة العامَّة التي تدْعو إلى صِلة الأرْحام، والحِفاظ على العلاقات الأسريَّة، ودوام الصِّلة والمودة، ولكن إن خشي الزوج حصول ضررٌ محقَّق من زيارة أرحام زوجته، فله منعهم، بشرط أن يسمح لها بزيارتهم، فإن لم يفعل وصلتهم بغير علمه؛ قال المرداوي في "الإنصاف": "الصَّواب في ذلك: إن عُرِف بقرائن الحال أنَّه يَحدث بزيارتِهما أو أحدِهِما له ضررٌ، فله المنْع، وإلا فلا".اهـ.
وقال صاحب "التَّاج والإكليل في شرح مختصر خليل": "سُئل مالكٌ عن الرَّجُل يتَّهِم خَتَنَتَه بإفْساد أهله، فيريد أن يَمنعَها من الدُّخول عليْها؟ فقال: "ينظر في ذلك، فإن كانتْ متَّهمة، مُنِعَت بعض المنع، لا كلَّ ذلك، وإن كانت غيْر متَّهمة، لم تُمْنَع الدُّخولَ على ابنتِها".اهـ.
وقال الخرشي في "شرح مختصر خليل": "ويتفقَّد الأبوانِ حال ابنتِهِما، وقد ندب الشَّرع إلى المُواصلة، والعادةُ جاريةٌ بذلك".اهـ.
والمقصود بالعادة هنا: العُرف العام، والعُرفُ العام عند الفقهاء كالشَّرط، وإن لم ينصَّ عليْه في العقد؛ قال ابن نُجيم في "الأشباه والنظائر": "المعروف عُرفًا كالمشروط شرعًا". اهـ.
وقال الحموي في "غمز عيون البصائر": "المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا".اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: