هل القرض يُعتبر ربا أم لا؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
وقد اتفق عُلماء العصر على أنَّ: "الفائدة على أنواع القروض كلِّها ربًا مُحرَّم، لا فرْقَ في ذلك بين ما يسمَّى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمَّى بالقرْض الإنتاجي"
- التصنيفات: الربا والفوائد -
أنا مُقبل على الزَّواج، وأحتاج مبلغًا من المال لتكاليفِ الزَّواج، تقدَّم أحد أصدقائي لي بالمساعدة -وهو يعمل في دائرة حكوميَّة- بأن يتقدَّم في طلب سُلفة، ثم يعطيها لي.
طريقة السلْفة: هي أن يُخصَم من راتبك مبلغٌ قليلٌ - أي تقسيط مُريح جدًّا - حتَّى تُكمل المبلغَ الذي استلفتَه، لكن مع العِلْم أنَّهم يأخذونَ زيادةً قليلةً جدًّا على المبْلغ الأصلي.
فهل دخلَ المالُ في دائِرة الرِّبا أو لا؟ مع العِلم أنَّ التَّقسيطَ مُريح، والزِّيادة بسيطة.
الحمدُ لله، والصلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ القرْضَ الذي أجازه الشَّرع، ورغَّب فيه - هو القرضُ الحسَن، الذي يسدِّدهُ المقتَرِض بغير زيادةٍ مشروطة على أصْل المال، أمَّا سداد الدَّين، مع دفْع زيادةٍ مشروطةٍ على أصْل القَرْض - فلا يَجوزُ، مهْما قلَّت تلك الزِّيادة، وكانت على أقساطٍ شهريَّة مُريحة؛ بل هو عَيْنُ الرِّبا المُحرَّم بالكتابِ والسُّنَّة، وإجْماع المسلمين الذين يُعتدُّ بقوْلِهم على أن: كلَّ قرْضٍ جرَّ نفعًا فهُو ربا، قلَّت الفائدة أو كثُرت؛ وقد روى البُخاريُّ، عن أبي بُردة قال: "أتيتُ المدينة فلقيتُ عبدالله بن سلام - رضي الله عنه – فقال: إنَّك بأرضٍ، الرِّبا بها فاشٍ، إذا كان لك على رجُلٍ حقٌّ، فأهدَى إليْكَ حِمْل تِبْن، أو حِمْل شعيرٍ، أو حِمْل قَتٍّ - فلا تأخُذْه؛ فإنَّه ربا".
قال ابن قدامة: "كلُّ قرضٍ شرطَ فيه أن يزيدَه - فهو حرام بغَيْر خلاف؛ قال ابنُ المُنذر: "أجْمعوا على: أنَّ المُسْلِف إذا شرطَ على المستلِف زيادةً أو هديَّة، فأسلفَ على ذلك - فهُو ربا، وقد رويَ عن أبيِّ بن كعْبٍ، وابْنِ عبَّاس، وابْنِ مسعودٍ: أنَّهم نَهَوا عن قرْضٍ جرَّ منفعة".
قال في "الشرح الصغير" للدرديري: "(والأُجرة): أي أجرة الكَيْل أوِ الوَزْن أو العدِّ، (عليْه): أي على البائع؛ إذ لا تَحصُل التوفية إلا به، بِخلاف القرْض، فعلى المقترِض أُجْرة ما ذُكِرَ؛ لأنَّ المُقْرِض صنع معروفًا، فلا يُكلَّف الأُجْرة، وكذا على المقتَرِض في ردِّ القرض والأُجْرَة بِلا شُبْهة".اهـ.
وقد اتفق عُلماء العصر على أنَّ: "الفائدة على أنواع القروض كلِّها ربًا مُحرَّم، لا فرْقَ في ذلك بين ما يسمَّى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمَّى بالقرْض الإنتاجي"، كما ورد في المؤتَمر الثَّاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة.
وقد ذكر السائل الكريم: أنَّ هذه السُّلفة الماليَّة تقترِنُ بِها فوائدُ زائدة عن أصل الدين، وهذا ربا؛ لأنَّه قرض جرَّ نفعًا، وهو محرَّم باتِّفاق العُلماء.
وعليه؛ فكلُّ زيادةٍ مشروطة في القَرْض، أو مستفادة بسببِه - من الرِّبا الُمحرَّم في الإسلام.
وقد بيَّنَّا ذلك في عدَّة فتاوى - نرجو الاطِّلاع عليها - وهي: "الاقتراض من البنك بسعر تفضيلي"، "حكم الاقتراض من البنك لبناء بيت"، "هل القروض الربوية حلال في هذه الظروف؟".
وبيَّنَّا فيها: أنَّ الضَّرورة التي تُبيح الرِّبا هي ما يَخاف صاحبُها الهلاكَ؛ كما نصَّ على ذلك أهل العِلْم.
ولكن إن كان المبلغُ الزائد مبلغًا مقطوعًا، وما هو إلا مصروفاتٌ إداريَّة، ولا ارتباطَ له بالقرض - فيجوز في تلك الحال الاقتراض.
ولْتَعْلَمْ - حفِظَكَ الله ورَعَاكَ - أنَّ رزْقكَ مقسومٌ، ولن يفوتَكَ منه شيءٌ، ولن يُدْرِكَكَ أجلُك قبل أن تستَوْفِي ما كُتِبَ لك منه.
ومِنْ أهمِّ أسبابِ الرِّزق: طاعةُ الله تعالى، واجتنابُ ما نَهى عنه؛ فلا يُطْلَب الرزقُ بِمعصية الله، بل إنَّ العبد ليُحْرَمُ الرِّزْقَ بالذَّنب يُصيبُه؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم – وقد وعدَ الله مَن تَحرَّى الحلال، وبَحَث عنه - بالفَرَجِ العاجل؛ فقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3].
فعليْكَ بتقْوى الله تعالى والإكْثار مِن الاستِغْفار؛ فإنَّه سببٌ لِحصولِ الفَرَج، ولا يَحْملنَّك استبطاءُ الرِّزق على الوقوع في كبيرةٍ، لم يتوعَّد اللهُ بالحربِ على معصيةٍ سواها؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278-279].
ولتحذَرْ أن تفتح على نفسك باب شَرٍّ بمعاملة رِبوية؛ قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ . إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ . فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة: 276-279].
ولتعلمْ: أنَّ مَنْ تَرَكَ شيئًا لِلَّه، عوَّضه الله خيرًا منه؛ {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق: 4]، ونسألُ اللهَ: أن يَجعَلَ لكَ مَخرجًا وفرجًا قريبًا، وأن يَرْزُقَك من حيثُ لا تَحتَسبُ،، والله أعلم.