حكم اليقين بالإجابة في الدعاء
الذي يَزيد في طاعاته ويَنقص في معاصيه، ويدعو الله باستِمْرار أن يُميتَه على ملَّة الإسلام وليس الكفر، لو أصبح لديه يقين لا يقبل الشَّكَّ وبشكْلٍ دائم بإذن الله أنَّ الله سيستجيب دعوتَه، هل يكون كافرًا لاعتقاده هذا؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن كان الحال كما يقول السائل الكريم، فما يشعُر به من يقينٍ جازمٍ بأنَّ الله تعالى سيُجيب دعاءه من حسنِ الظَّنِّ بالله، ومن دواعي قبول الدُّعاء؛ بل هذا هو الواجب والموافق لقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وليس هو من الكفْر في شيء؛ فقد روى الإمامُ أحمد عن عبدالله بن عمرو: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "إذا سألتم الله -عزَّ وجلَّ، أيُّها النَّاس- فاسألوه وأنتُم موقِنون بالإجابة، فإنَّ الله لا يَستجيب لعبدٍ دعاهُ عن ظهر قلب غافل".
وفي لفظٍ للتِّرمذي من حديث أبي هريرة: "ادْعوا الله وأنتم مُوقنون بالإِجابة، واعْلموا أنَّ الله لا يَستجيب دعاءً من قلبٍ غافل لاه".
ومعنى "موقنون بالإجابة"؛ أي: جازمون بأنَّ الله تعالى سيتقبَّل دُعاءكم، ويحقِّق مرادكم، وهذا من إحسان الظنِّ بالله تعالى.
وفي الصَّحيحيْن: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "قال الله تعالى: أنا عند ظنِّ عبدي بي"، وفي رواية أحمد: "إن ظنَّ بي خيرًا فله، وإن ظنَّ شرًّا فله"، وفي رواية: "فليظنَّ بي ما شاء".
وفي الصحيحيْن عن أبي هُريْرة: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "لا يقُلْ أحدُكُم: اللَّهُمَّ اغفِرْ لي إن شئت، اللَّهُمَّ ارْحمني إن شئت، ليعزِمِ المسألة؛ فإنَّ الله لا مُكْرِه له".
ولفظ مسلم: "ليعزِمْ في الدعاء؛ فإنَّ الله صانعٌ ما شاء، لا مُكْرِه له".
قال أبو العباس القرطبي في "المفهم": "قيل: معناه: ظنّ الإجابة عند الدعاء، وظنّ القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن قبول الأعمال عند فعلِها على شروطها؛ تمسُّكًا بصادق وعْده، وجزيل فضلِه، قلت: ويؤيدهُ قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: "ادْعوا الله وأنتم موقِنون بالإجابة"، وكذلك ينبغي للتَّائب والمستغفر، وللعامل أن يَجتهد في القيام بِما عليه من ذلك، موقنًا أنَّ الله تعالى يقبل عملَه، ويغفِر ذنبه؛ فإنَّ الله تعالى قد وعد بقبول التَّوبة الصادقة، والأعمال الصالحة، فأمَّا لو عمل هذه الأعمال، وهو يعتقد أو يظنُّ أنَّ الله تعالى لا يقبلُها، وأنَّها لا تنفعُه - فذلك هو القنوط من رحْمة الله، واليأس من رَوْح الله، وهو من أعظمِ الكبائر، ومَن مات على ذلك، وصل إلى ما ظنَّ منه".
وقال الذهبي في "الكبائر": "ومعناه: أنا أُعامله على حُسْن ظنِّه بي، وأفعل به ما يتوقَّعه مني من خيرٍ أو شرٍّ، والمراد: الحثُّ على تغْليب الرَّجاء على الخوف، وحسن الظن بالله".
فلابدَّ من حضور القلب، وإحْسان الظنِّ بالله تعالى، وأنَّه يستجيب دعاءَ عبده، كما وعد هو سبحانه بذلك: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، جزم في مسألته، وليحقق رغبته، ويتيقَّن الإجابة؛ فإنَّه إذا فعل ذلك دلَّ على عِلْمه بعظيم ما يطلب من المغفرة والرحمة.
وممَّا سبق يتبيَّن أنَّ من آداب الدعاء وشرائطِه: رجاءَ الإجابة من الله تعالى؛ لسَعة كرمِه، وكمال قدرتِه، وإحاطة عِلْمه، وإنْجازه وعْده، مع حضور القلب، وإتْيان المعروف، واجتِناب المنكر، وترصُّد الأزمنة الشريفة والأمكنة المنيفة، والأحوال اللطيفة، إلى غير ذلك،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: