أنواع الحج وصفته
عبد العزيز بن باز
فتاوى نور على الدرب
- التصنيفات: فقه الحج والعمرة - فتاوى وأحكام -
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:فأنساك الحج ثلاثة:
الأول: الإحرام بالعمرة وحدها،
الثاني: الإحرام بالحج وحده،
الثالث: الإحرام بهما جميعاً،
وصفة كل واحد:
أما العمرة فيقول: اللهم لبيك عمرة، أو يقول: اللهم إني أوجبت عمرة، فهذا يقال له: عمرة مفردة، سواء في أشهر الحج أو في غيرها، عليه أن يُحرم بها من الميقات الذي يمر عليه، من طريق المدينة ميقات المدينة، من طريق مصر والشام من طريق الساحل يحرم من الجحفة (رابغ)، من طريق اليمن يلملم، من طريق العراق ذات عرق (الظليمة)، من طريق نجد قرن المنازل (وادي قرن)، ويسميه الناس السيل.
على من أراد الحج والعمرة أن يحرم من هذه المواقيت إذا مر على واحد منها، فإن كان بالعمرة يقول: اللهم لبيك عمرة، أو اللهم إني قد أوجبت عمرة، وإن زاد "متمتعاً بها إلى الحج" إن كان في أشهر الحج شوال وذي القعدة وأول ذي الحجة فلا بأس، وإن لم يزدها فلا بأس، إذا قال: لبيك عمرة وهو نيته الحج وحج فإنه يسمى متمتعاً، وإن زاد وقال: متمتعاً بها إلى الحج فلا بأس أيضاً، وإن قال: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فكذلك لا حرج، ولا سيما إذا كان يخشى حادثاً من مرض أو غيره.
فيطوف ويسعى ويقصر من عموم شعر رأسه (مجموع الشعر، الجوانب والوسط يعم الشعر)، ثم يَحل، وبهذا تمت العمرة، وإن شاء حلق، حلق الرأس حلقاً بالموسى أو بالمكينة التي تأتي على أصله، فهذه أنساك العمرة، طواف وسعي وتقصير أو حلق بعد الإحرام من الميقات، والإحرام النية بالقلب، كونه ينوي بقلبه الدخول في العمرة، ثم يلبي فيقول: اللهم لبيك عمرة، ينوي بقلبه في الميقات الذي يمر عليه أنه يريد العمرة (وهي زيارة البيت العتيق)، وتسمى هذه النية إحرام بالنية بالقلب، ويشرع له التلبية فيقول: اللهم لبيك عمرة.
ويستحب له أن يغتسل إذا تيسر، يغتسل ويقلِّم أظفاره إن كان فيها طول، أو يقص شاربه هذا أفضل، وإن لم يفعل فلا حرج، لو أحرم من دون اغتسال ومن دون قص أظفار ولا قص شارب لا حرج، ويلبس إزاراً ورداءً، الرجل إزار ورداء، أبيضين أفضل، كونه أبيض أفضل، وإن كانت من نوع آخر كالأحمر والأسود فلا حرج، لكن الأبيض أفضل، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم"، وقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه دخل عام الفتح وعليه عمامة سوداء، وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه طاف مضطبعاً ببرد أخضر، فالألوان الأخرى جائزة، ولكن البياض هو الأفضل.
أما المرأة فإنها تُحرِم فيما يتيسر لها من اللباس العادي للنساء، أحمر أو أسود أو أخضر أو غيره، لكن تترك الثياب التي فيها زينة؛ لأنها قد تتعرض للفتنة في الطواف والسعي، تكون ملابس عادية ليس فيها فتنة، هذا هو الأفضل، ولكن لا تلبس القفازين في اليدين ولا تنتقب النقاب للوجه حال إحرامها، لا في العمرة ولا في الحج.
والنقاب: شيء يصنع للوجه تلبسه المرأة في وجهها ينقب فيه نقبان أو نقب واحد للعينين، هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عنه، قال: "لا تنتقب المرأة"، والقفازان: غشاءان يجعلان في اليدين، غشاءان تجعل اليدان فيهما، أيضاً ممنوعة منهما المحرمة.
ولكن تغطي وجهها بغير النقاب، تغطي وجهها بالجلباب بالشيلة، تغطي يديها بجلبابها بعباءتها ما يخالف في حال الإحرام، لا تلبسها في حال الإحرام مطلقاً ولو ما عندها أحد، لا تلبس النقاب ولا القفازين، لكن عند وجود الأجنبي تغطي وجهها ويديها بشيء غير النقاب وغير القفازين، تقول عائشة -رضي الله عنها-: كنا مع النبي في حجة الوداع فإذا دنا منا الرجال سدلت إحدانا خمارها على وجهها من رأسها، فإذا بعدوا كشفنا.
والنوع الثاني: الحج، النوع الثاني الحج، وهو أن ينوي الإنسان الحج فقط، بقلبه نية الحج فقط، من الميقات، سواء كان رجلاً أو امرأة، هذا يسمى الإفراد، إفراد الحج، فيحرم بالحج بقلبه، ينوي الحج بقلبه ويلبي يقول: اللهم لبيك حجاً، أو اللهم إني أوجبت حجة أو حجاً من الميقات الذي يمر عليه، وإن كان في مكة كذلك قال: لبيك حجة، أو حول مكة من الميقات، من محله الذي ينشئ منه الإحرام، مثل جدة يقول: لبيك حجاً أو عمرة، كما تقدم، أو في الشرائع أو كان في لزيمة أو أم السلم.
المقصود من كان دون المواقيت فيحرم بالعمرة إذا هي مفردة، أو بالحج مفرداً: اللهم لبيك حجاً، من محله الذي ينشئ منه الإحرام، وإن كان قبل المواقيت أحرم من الميقات كما تقدم، فيقول: لبيك حجاً، هذا يسمى حج مفرد، فإذا وصل مكة شُرع له أن يجعلها عمرة، إن كان الوقت واسع شرع له أن يجعلها عمرة، يفسخه إلى عمرة، كما أمر النبي أصحابه بذلك، يطوف ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة، أما إن كان الوقت ضيق قصد عرفات وحج مع الناس حجاً مفرداً، ولكن إذا تيسر له دخول مكة والطواف والسعي ويقصر للعمرة، فهذا يكون هو الأفضل، ويسمى فسخ الحج إلى العمرة.
فإن بقي مع إحرامه وحج مع الناس بحج مفرد فلا بأس، يطوف ويسعى عند قدومه، ثم يبقى على إحرامه حتى يحج مع الناس، أو يبقى على إحرامه ولا يطوف ولا يسعى إلا بعد الحج، في يوم النحر وبعده، كله جائز، ولكن الأفضل أن يبدأ بالطواف والسعي قبل الحج، يطوف ويسعى ويبقى على إحرامه حتى ينتهي من عرفات، فإذا جاء يوم العيد طاف وسعى كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه حج قارناً وطاف وسعى عند قدومه ولم يحل؛ لأنه كان معه الهدي -صلى الله عليه وسلم-، أما الذين أحرموا بالحج وليس معهم هدي أمرهم أن يجعلوها عمرة، أمرهم -صلى الله عليه وسلم- أن يجعلوها عمرة، فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا بأمره -عليه الصلاة والسلام-، فهذا يسمى نسك إفراد، إفراد الحج.
وهناك نسك ثالث يسمى القران: وهو الجمع بين الحج والعمرة، فينوي بقلبه عمرة وحجاً جميعاً من الميقات، أو من محله الذي هو فيه كجدة أو أم السلم، من الميقات ينوي بقلبه حجاً وعمرة، ثم يلبي ويقول: اللهم لبيك عمرة وحجاً، هذا يسمى القران، وأعماله مثل أعمال الإفراد، أعماله مثل أعمال الإفراد، يطوف ويسعى أول ما يقدم مكة ويبقى على إحرامه، حتى يفرغ من حجه، فإذا فرغ من حجه من عرفات طاف يوم العيد طواف الإفاضة فقط، وأجزأه السعي السابق، ويسمى قارناً بين الحج والعمرة، وأعماله كأعمال المفرد.
لكن الأفضل له والسنة له أن يفسخ كالمفرد، يفسخ حجه إلى العمرة، يطوف ويسعى ويقصر ويحل، إذا كان ما معه هدي، ليس معه هدي، فالسنة له أن يطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، كالذي أحرم بالحج مفرداً، يطوف ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابه الذين أحرموا بالحج مفرداً أو بالحج والعمرة جميعاً وليس معهم هدي - أمرهم أن يجعلوها عمرة، فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا.
وأما من كان معه الهدي فإنه يبقى على إحرامه، والأفضل له أن يلبي بالحج والعمرة جميعاً، إذا كان قارناً، إذا كان معه الهدي، كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه أحرم بالعمرة والحج جميعاً وكان معه هدي، كان معه ثلاث وستين بدنة، ثلاث وستين من الإبل أتى بها من المدينة، وجاء علي من اليمن بسبع وثلاثين، صار الجميع مائة، فنحرها يوم النحر -عليه الصلاة والسلام-، فمن كان معه هدي ولو ناقة واحدة ولو شاة واحدة أتى بها، هذا يبقى على إحرامه ويلبي بالحج والعمرة جميعاً.
ومن ليس معه هدي فإنه يلبي بالعمرة ويطوف ويسعى ويقصر ويحل، وإن لبى بالحج مفرداً أو بالحج والعمرة جميعاً فإنه يفسخ، يطوف ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة، كما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة الذين حجوا معه وليس معهم هدي، هذا هو الصواب عند المحققين من أهل العلم. وأعمال القارن وأعمال المفرد شيء واحد طواف وسعي، إن فعلهما عند القدوم أجزأه السعي، ويبقى عليه الطواف يوم العيد أو بعده.
وإن لم يسعَ مع طواف القدوم سعى مع طواف الإفاضة بعد عرفات يوم العيد أو بعده، سعي واحد، يجزئ المفرد ويجزئ القارن، سعي واحد فقط، أما المتمتع الذي طاف وسعى وقصر لعمرته وحل، هذا عليه سعي ثاني مع طواف الحج يوم العيد أو بعده للحج، وذاك السعي الأول للعمرة التي خلص منها وطاف وسعى لها وقصر منها.
س: وأنتم تتفضلون بالحديث عن أنواع الحج -جزاكم الله خيراً- ذكرتم أيضاً صفة الحج، هل من إضافة لتكميل صفة الحج؟
ج: صفة الحج مثلما تقدم: إذا أحرم به من مكة (إن كان من مكة أو هو محل بها) يتوجه إلى منى يوم الثامن، وهكذا لو كان قادماً من بلده يوم الثامن وأحرم بالحج مفرداً أو بالحج والعمرة جميعاً فإنه يتوجه إلى منى ويصلي بها الظهر ركعتين والعصر ركعتين، كل واحدة في وقتها أفضل، والمغرب ثلاثاً في وقتها، والعشاء ثنتين في وقتها، والفجر ثنتين في وقتها، هكذا فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لما توجه من مكة إلى منى يوم الثامن صلى فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، كل واحدة في وقتها، قصراً من دون جمع، ثنتين، الظهر ثنتين والعصر ثنتين، كل واحدة في وقتها، والمغرب ثلاث في وقتها، والعشاء ثنتين في وقتها، والفجر ثنتين في وقتها مع السنة مع سنتها، بأذان وإقامة، هذا هو الأفضل وهذا هو السنة.
وفي صباح العيد يتوجه إلى عرفات، وهو في خروجه من مكة يلبي بالحج، يقول: لبيك حجاً، ويقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. وهكذا الذي أحرم من الميقات يلبي بهذا، يلبي بالحج المفرد الأول، في الميقات بعدما يتهيأ، بعدما يغتسل إذا تيسر ويلبس إزاره ورداءه، وبعدما يتطيب يركب الدابة أو السيارة ثم يلبي ناوياً بقلبه الدخول في الحج أو في العمرة إن كان عقد عمرة مفردة.
ثم إذا ركب يقول: اللهم لبيك عمرة، إن كان عمرة، أو: اللهم لبيك حجاً إن كان حجاً؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لبى بعدما ركب، بعدما ركب دابته لبى عليه الصلاة والسلام، هذا هو الأفضل بعد الركوب، يتهيأ... بالغسل، ويصلي ركعتين سنة الوضوء، ثم يلبس إزاره ورداءه وينوي بقلبه الدخول في النسك، بعدما يركب الدابة أو السيارة ينوي بقلبه الدخول في النسك ويلبي: اللهم لبيك حجاً، إن كان مفرداً، أو: اللهم لبيك عمرة إن كان عمرة مفردة، أو حجاً وعمرة إن كان قارناً، إذا كان معه الهدي يلبي بهما جميعاً، إذا كان معه هدي ناقة أو بقرة أو شاة أو أكثر.
والأفضل لمن لبى من الميقات أن يدخل مكة أول، ولو كان في يوم الثامن، الأفضل أن يدخل مكة ويطوف ويسعى؛ لأن الرسول دخلها وبدأ بها -صلى الله عليه وسلم-، فيطوف ويسعى لحج إن كان مفرداً، أو لعمرة إن كان معتمراً، يطوف ويسعى ويقصر ويحل إن كان معتمر، وفي يوم الثامن يلبي بالحج، يخرج إلى منى، كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه لبى يوم الثامن خارجاً إلى منى، والصحابة أمرهم أن يلبوا بالحج يوم الثامن الذين أحلوا، أمرهم أن يلبوا بالحج من مكة من منازلهم، ثم يتوجه إلى منى ملبياً بالحج يوم الثامن، هذا هو الأفضل.
وفي يوم التاسع يتوجه إلى عرفات بعد طلوع الشمس ملبين بالحج، ومن كبَّر وهلل فلا بأس، والأفضل التلبية في طريقه إلى عرفات، فإذا وصل عرفات نزل في غربيِّها (محل ..... نمرة)، يصلي فيه الظهر والعصر جمعاً وقصراً، هذا هو الأفضل إذا تيسر؛ لأن الرسول فعل ذلك -عليه الصلاة والسلام- بأذان واحد وإقامتين، الظهر ثنتين والعصر ثنتين، وهكذا الحجاج كلهم، الأفضل لهم يجمعون ويقصرون، الظهر ثنتين والعصر ثنتين بأذان واحد وإقامتين.
وإذا صلوا مع الإمام أو نائبه يكون أفضل في مسجد نمرة، يكون أفضل إذا تيسر ذلك، ثم بعد الصلاة يقصد كل واحد محله من عرفات، يقصد محله من عرفات في خيمته، أو في سيارته، يستقبل القبلة ويدعو الله ويهلل ويكبر ويلبي حتى تغيب الشمس، سواء كان في خيمة أو في غير ذلك من الأمكنة، أو في السيارة، الأمر واسع بحمد الله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- وقف على الدابة (جلس على الدابة) واستقبل القبلة وجعل يدعو ويهلل ويكبر حتى غابت الشمس -عليه الصلاة والسلام-.
والحجاج هكذا كل واحد منهم بعد الصلاة في الجامع يتوجه إلى عرفات ويستقبل القبلة وكلها موقف، كل عرفة موقف، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما وقف عند الصخرات واستقبل القبلة قال: "وقفتها هاهنا وعرفة كلها موقف"، فالإنسان يقف من عرفة في أي مكان كان منها، تحت الشجر أو تحت الخيمة أو في سيارته، يجلس فيها ويدعو الله ويهلل ويكبر مستقبل القبلة، هذا هو الأفضل، يستقبل القبلة حتى تغيب الشمس، يرفع يديه في الدعاء ويلح في الدعاء حتى تغيب الشمس؛ لفعله -صلى الله عليه وسلم-.
وهو يوم عظيم، يوم عرفة يوم عظيم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة، وإن الله يدنو فيباهي بأهله الملائكة"، فهو يوم عظيم، يدنو الله من أهله ويباهي بهم الملائكة، وليس في الدنيا يوم أكثر عتقاء من النار من يوم عرفة، فينبغي للحاج أن يجتهد في الدعاء في هذا اليوم العظيم، ويحضر قلبه بين يدي الله، ويبكي من خشية الله، ويجتهد في الدعاء ويلح ويكرر، يكثر من التلبية ومن قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، يستغفر الله ويكثر من الدعاء في هذا اليوم العظيم حتى تغيب الشمس.
بعد أن تغرب الشمس ينصرف الناس إلى مزدلفة، إذا غربت الشمس ينصرف الناس إلى مزدلفة ملبين مهللين مكبرين، حتى يصلوا مزدلفة بهدوء وسكينة، النبي عليه السلام يقول لهم: "السَّكِينة السكينة" حتى لا يضر أحد أحداً، وهو ملبي حتى يصل مزدلفة، فيصلي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً من حين يصل ولو في وقت المغرب، المغرب ثلاثاً والعشاء ثنتين بأذان وإقامتين، كل صلاة لها إقامة، لكن لا يصلي بينهما شيء، النبي ما صلى بينهما -عليه الصلاة السلام- ولا بعدهما، هذا هو الأفضل.
ثم بعد ذلك يحط الناس الرحال، يصلون قبل حط الرحال، ثم بعد هذا يحطون رحالهم وأمتعتهم، اللي يتعشى واللي ينام، النبي -صلى الله عليه وسلم- لما صلى نام -عليه الصلاة والسلام-، فالناس بالخيار، من شاء نام ومن شاء تناول الطعام أو اشتغل بشيء آخر، والأفضل أن ينام حتى يتقوى على طاعة الله في يوم العيد.
فإذا طلع الفجر صلى الحُجاج الفجر بأذان وإقامة، يصلي سنة الفجر ثنتين والفجر ثنتين كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يشتغل بالذكر والدعاء في مزدلفة مع رفع اليدين حتى يسفروا، ثم ينصرفون قبل طلوع الشمس إلى منى كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه أسفر جداً ثم انصرف قبل طلوع الشمس إلى منى -عليه الصلاة والسلام-، هذا هو السنة للحجيج.
لكن لا مانع من تعجيل الضعفة من مزدلفة قبل الفجر، النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الضعفة من النساء والصبيان -ونحوهم من يكون معهم- أن ينصرفوا إلى منى في آخر الليل قبل حطمة الناس (قبل الزحمة)، هذا أفضل، وإن جلسوا فلا حرج، وإن انصرفوا في آخر الليل قبل زحمة الناس فلا حرج عليهم، ولهم الرمي في آخر الليل هم ومن معهم، أو تأخير الرمي إلى الضحى، كل ذلك جائز لهم.
ومن تقدم ورمى وذهب إلى البيت وطاف فلا حرج، فإن أم سلمة -رضي الله عنها- رمت قبل الفجر ثم مضت وأفاضت إلى مكة، ولكن الأفضل أنه يرمي أول، ثم ينحر الهدي بعد طلوع الشمس إن كان عنده هدي، ثم يحلق الرجل أو يقصر، والمرأة تقصر، ويحصل التحلل بذلك، التحلل مما حرم على المحرم ما عدا النساء، ثم الطواف بعد ذلك، فإذا طاف بعد الرمي والحلق أو التقصير حل لهم كل شيء -حتى النساء- مما حرم عليه بالإحرام.
وإن كان متمتعاً سعى مع طواف الإفاضة سعياً آخر للحج، أما إن كان مفرداً أو قارناً فإنه يكفيه السعي الأول الذي فعله مع طواف القدوم -إذا كان ما تحلل بقي على إحرامه حتى حل-، وإن كان ما سعى مع طواف القدوم سعى مع طواف الحج، فعليه سعي لا بد منه، إما أيام الحج أو يقدمه مع طواف القدوم.
وهذه أعمال الحج يوم العيد إذا انصرفوا من منى بعد إسفارهم، وهكذا الضعفاء إذا انصرفوا من منى في آخر الليل المشروع لهم بعد ذلك أربعة أمور: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف، والسعي -إن كان عليه سعي-، هذه تكون في يوم العيد، والأفضل بعد طلوع الشمس، يرمي أولاً سبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقطع التلبية عند الرمي، يقطع التلبية (انتهت التلبية)، ثم بعد الرمي ينحر إن كان عنده ذبح، ثم بعد الذبح يحلق أو يقصر.
والحلق أفضل؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعا للمحلقين ثلاث مرات -بالمغفرة والرحمة- والمقصرين مرة واحدة، فالحلق أفضل، إلا النساء فليس عليهن حلق ولكن يقصرن، النساء عليهن التقصير من مجموع الرأس، من كل عميلة قليل، وإن كان منقوض من أطراف الشعر كله للرجل والمرأة، ثم يحصل التحلل، يعني التحلل الأول، له أن يتطيب، يقلم أظفاره، يقص شاربه، يلبس المخيط، يغطي رأسه.
هذا التحلل الأول، ويحصل بالرمي، لكن كونه يضيف إليه الحلق أو التقصير يكون أفضل وأحوط، والتحلل الأول يحصل بالرمي، لكن إذا أضاف الحلق والتقصير يكون أفضل، خروجاً من خلاف العلماء، ولما روي عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب واللباس وكل شيء إلا النساء"، فيبقى عليه تحريم النساء، فإذا طاف بالبيت وسعى حل له كل شيء حتى النساء (المحرم عليه بالإحرام)، المرأة والرجل إذا طافت وسعت -كان عليها سعي- حل لها زوجها، وهكذا الرجل إذا طاف وسعى -إن كان عليه سعي- حلت له زوجته بعد الرمي والحلق أو التقصير.
ثم يبقى على الجميع أيام منى: الرمي أيام منى وطواف الوداع بعد الفراغ من كل شيء، والترتيب ليس بواجب، لو أنه قدَّم النحر على الرمي أو الحلق على الرمي أو على النحر، أو الطواف لا حرج، والحمد لله، لو طاف قبل أن يرمي أو قبل أن ينحر أو قبل أن يحلق لا حرج، أو نحر قبل أن يرمي أو حلق قبل أن يذبح لا حرج، النبي سئل عن هذا يوم العيد فقال: "لا حرج لا حرج"، عليه الصلاة والسلام، لكن الأفضل الذي فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يرمي أول ثم ينحر إن كان عنده ذبح، ثم يحلق أو يقصر -هذا هو الأفضل- ثم يتحلل، ثم يكون الطواف بعد ذلك، يوم العيد إن تيسر أو بعد العيد، وهكذا السعي يكون بعد الطواف -إن كان عليه سعي- كالمتمتع، يسعى مع طواف الحج، وهكذا القارن والمفرد الذي لم يحل عليه السعي، إن كان سعى مع طواف القدوم أجزأه وإلا سعى مع طواف الإفاضة.