يحتج بحديث السبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب
هناك من يحتج بترك الأسباب بحديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فما هو الرد عليهم؟
هؤلاء السبعون ما تركوا الأسباب إنما تركوا شيئين وهما الاسترقاء والكي، والاسترقاء هو طلب الرقية من الناس، وهذا الحديث يدل على أن ترك الطلب أفضل وهكذا ترك الكي أفضل لكن عند الحاجة إليهما لا بأس بالاسترقاء والكي؛ لأن النبي عليه السلام أمر عائشة أن تسترقي من مرض أصابها وأمر أم أولاد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهي أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن تسترقي لهم، فدل ذلك على أنه لا حرج في ذلك عند الحاجة إلى الاسترقاء، ولأنه صلى الله عليه وسلم قال: « » (أخرجه البخاري من حديث ابن عباس وجابر بن عبد الله في كتاب الطب، باب الشفاء في ثلاث، برقم 5249، وباب الدواء بالعسل، برقم 5251)، وقد كوى عليه السلام بعض أصحابه لما دعت الحاجة إلى الكي؛ لأنه سبب مباح عند الحاجة إليه، والاسترقاء: طلب الرقية، أما إن رقي من دون سؤال فهو من الأسباب أيضاً لا بأس به ولا كراهة في ذلك، وهكذا بقية الأسباب المباحة كالأدوية المباحة من إبر وحبوب وشراب وغير ذلك.
أما الطيرة المذكورة في حديث السبعين فهي التشاؤم ببعض المرئيات أو المسموعات وهي محرمة ومن الشرك الأصغر إذا ردت المتشائم عن حاجته؛ لقول الله سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]، وقوله صلى الله عليه وسلم: « »، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: « »، وقوله صلى الله عليه وسلم لما ذكرت عنده الطيرة: « »، وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « » (رواه أحمد)، فعلم مما ذكر من الأدلة أن التوكل لا يمنع تعاطي الأسباب، فالإنسان يأكل ويشرب فالأكل سبب للشبع ولقوام هذا البدن وسلامته، وهكذا الشرب ولا يجوز للإنسان أن يقول: أنا لا آكل ولا أشرب وأتوكل على الله في حياتي وأبقى صحيحاً سليماً، فهذا لا يقوله عاقل، وهكذا يلبس الثياب الثقيلة في الشتاء للدفء؛ لأنه يضره البرد، وهكذا يتعاطى الأسباب الأخرى من إغلاق الباب حذراً من السُّراق، ويحمل السلاح عند الحاجة، وكل هذه أسباب مأمور بها الإنسان، والنبي صلى الله عليه وسلم سيد المتوكلين في أُحد لبس السلاح، وفي بدر كذلك، وفي أُحد ظاهر بين درعين ولبس اللاّمة، وعليه المغفر حين دخل مكة، وكل هذه أسباب فعلها صلى الله عليه وسلم وهكذا أصحابه رضي الله عنهم.