حكم المرأة الناشز وحكم جمع وقر الصلاة لمن هو دائم السفر
ما حكم قصر الصلاة وجمعها لمن طبيعته دوام السفر من المملكة إلى خارجها أو من بعض مدن المملكة إلى بعضها التي يجوز للمسافر فيها القصر والجمع كسائقي السيارات، ومن في حكمهم من الباعة والمشترين المتجولين؟
وهل الحكم في المرأة الناشز بقطع النفقة والكسوة والمسكن عنها حتى ترجع إلى طاعة زوجها، وهل لذلك مدة محدودة إذا لم تعد المرأة إلى طاعة زوجها في خلالها يفرق بينهما بالمخالعة؟ [1]
هؤلاء في حكم المسافرين ويشرع لهم قصر الصلاة، ويجوز لهم الجمع كسائر المسافرين عند جمهور العلماء؛ لعموم الأدلة الشرعية في ذلك، ولا نعلم دليلا يعارض ذلك. أما قول بعض الفقهاء: إن المكاري الذي معه أهله ولا ينوي الإقامة ببلد معين لا يترخص برخص السفر فهو قول ضعيف لا نعلم له وجها من الشرع كما نبه على ذلك أبو محمد ابن قدامه رحمه الله في (المغني).
أما سؤالكم عن الحكم في المرأة الناشز بقطع النفقة والكسوة والمسكن عنها حتى ترجع إلى طاعة زوجها، وهل لذلك مدة محدودة إذا لم تعد المرأة إلى طاعة زوجها في خلالها يفرق بينهما بالمخالعة؟ فالجواب عن ذلك: لا شك أن الناشز لا تستحق على زوجها شيئا من النفقة، حتى ترجع إلى الطاعة إذا كان نشوزها بغير حق، وتقدير المدة يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم، أما ما يفعله بعض القضاة من الحكم على الناشز بإسقاط نفقتها وحبسها في ذمة زوجها سنين طويلة فلا أعلم له أصلا في الشرع، وفيه ظلم لها فقد يكون لنشوزها أسباب أوجبت ذلك؛ منها كراهيتها للزوج وعدم رغبتها في معاشرته، ومنها سوء معاملته لها إلى غير ذلك من الأسباب.
والواجب في مثل هذا الأمر هو التثبت والنظر في أسباب النشوز والتوسط في الصلح، فإن لم يتيسر ذلك وجب التحكيم أي بعث الحكمين؛ عملا بقول الله سبحانه: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} [2] الآية. والصحيح أنهما حكمان يعملان ما يريانه أصلح من جمع أو تفريق بدون إذن الزوجين، وليسا وكيلين لهما؛ لأن الله سماهما حكمين ولم يسمهما وكيلين، ولأن المقصود حل النزاع بينهما ولا يحصل ذلك إلا بكونهما حكمين، كما لا يخفى عند التأمل، فإن توقف الحكمان اجتهد الحاكم بتأجيل الموضوع بعض الوقت أو المبادرة بالتفريق بينهما بما يرى من العوض أو عدمه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت بن قيس: « ». قالت: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم لثابت: « »[3] رواه البخاري في صحيحه، ولم يخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين الطلاق وعدمه، بل أمره بالطلاق أمرا مطلقا، والأصل في الأمر الوجوب، ومن قال بخلافه فعليه الدليل وليس هناك دليل يصرفه عن ظاهره فيما نعلم.
أما أن تحبس المرأة سنين طويلة بدون نفقة وتحرم من الاستمتاع بمباهج الحياة، لكونها سئمت من عشرة زوجها فهذا فيه مفاسد كثيرة وضرر عليها وعلى الزوج، والزوج له حق محدود، وهي كذلك لها حق مثله، فلو كرهها زوجها وألزم بمعاشرتها، فهل يرضى ذلك؟ لا أظنه يرضى، والعدل في الحقوق واجب على الحاكم، كما أن عليه النظر في القضايا المقدمة إليه، والاجتهاد في إنهاء الخصومة فيها حتى تحفظ الحقوق وتصان الدماء والأموال والأعراض ويقف كل أحد عند حده. وفق الله الجميع لما فيه رضاه، ونفع عباده وتنفيذ أمره إنه خير مسئول.
____________________________
[1] سؤال موجه لسماحته من قاضي محكمة خيبر، وقد أجاب عنه سماحته برقم (1142) وتاريخ 15 / 6 / 1389هـ
[2] سورة النساء، الآية 35.
[3] أخرجه البخاري في (كتاب الطلاق) برقم (4867) والنسائي في (كتاب الطلاق) برقم (3409).
- التصنيف:
- المصدر: