الاستمناء لمن خشي الوقوع في الزنا

منذ 2014-01-02
السؤال:

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته. أنا امرأةٌ محافِظة، ومِن بيئة محافظة، متزوِّجة مِن زوج - هداه الله - لا يُوفيني حقِّي بالفراش؛ بسببِ كثرة ذنوبه: مِن مشاهدةٍ للصور والأفلام الإباحيَّة، وعلاقاته غير الشرعيَّة، التي أثَّرتْ على أدائه، لم يرزقْني الله بأبناء حتى الآن، والسببُ بُعْدُ زوجي عني، وعندما يَأتيني، فيأتيني بطُرُقٍ ملتوية؛ حتى لا يَظهر ضعفُهُ أمامي، يرفُض العلاج، أو بالأصح يُنكر وجودَ أيِّ خلَل فيه.

أنا أحتاج رجلاً، وزَوْجي لا يَرويني، هل يجوز - في مِثل حالتي - أن أُشبع رغْبتي بنفسي - بالعادة السريَّة - حاولتُ كثيرًا أنْ ألجأ للصَّوْم؛ ليخفِّف عني، ولكن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - حثَّ على الصيام لمَن لم يستطعِ الباءة. يعلم الله أنِّي لم أمارسْها أبدًا قبل زواجي ولم أفكِّر فيها، بل كنتُ أظنُّ أنها للرِّجال فقط، ولكني الآن أجدْ نفسي ليس لي حلٌّ سواها، مع زوْج لا يشعُر بي، وعندما أقول له: إنِّي سألجأ لها، يُؤيِّدني، ويشعرني أنِّي لا أفعل خطأً بفعلها.

أنا متردِّدة في فعلها، وأخاف مِن ربي أن يُعاقبني بسببها، ولكنِّي متعبَة، بكائي كَثُرَ، همِّي زاد، لم أجدْ بالزواج سترًا لي! أرجوكم أفيدوني، هل يجوز - بمثل حالتي - فعلُها خوفًا على نفسي مِن الوقوع فيما هو أشدُّ منها؟ وهل آثَمُ بفِعلها أم لا؟ ولكم جزيلُ الشُّكر.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومَن وَالاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ الله تعالى قد خَلَق الإنسانَ ضعيفًا عن ترْك الشهوات؛ كما قال تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا}[النساء:28]، وقد فسَّرها طاوس: بقلَّة الصبر عن النِّساء، وقال الزجَّاج وابن كيسان: ضعيفُ العزْم عن قهْر الهوى، وقيل غير هذا؛ ولذلك شرَع - سبحانه - للخلق ما يستغنون به من المباحاتِ عنِ الوقوع في المحرَّمات، فأباح - سبحانه – الزواجَ لقضاء الوطَر في الحلال، وحرَّم ما دونه مِن زنًا واستمناء، ولكن مَن خشي على نفْسه من الوقوع في الزِّنا جاز له ذلك، وهو مِن مفردات الإمام أحمد.

قال شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة - في "مجموع الفتاوى" (10 / 573) -: "مَن أباح (الاستمناء) عندَ الضرورة، فالصبر عنِ الاستمناء أفضل؛ فقد رُوِيَ عن ابن عبَّاس: أنَّ نكاح الإماء خيرٌ منه، وهو خيرٌ مِن الزِّنا. فإذا كان الصبرُ عن نِكاح الإماء أفضل، فعنِ الاستمناء بطريق الأَوْلى أفضل، لا سيَّما وكثير مِن العلماء أو أكثرهم يَجْزمون بتحريمِه مطلقًا، وهو أحدُ الأقوال في مذهب أحمد، واختاره ابنُ عقيل في المفردات، والمشهور عنه - يعني عن أحمد -: أنَّه محرَّم، إلاَّ إذا خَشِيَ العنَت، والثالث: أنه مكروه، إلاَّ إذا خشي العنت. فإذا كان الله قدْ قال في نِكاح الإماء: {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ}[النساء: 25]، ففيه أولى. وذلك يدلُّ على أنَّ الصبر عن كليهما ممكِن، فإذا كان قدْ أباح ما يُمكن الصبرُ عنه؛ فذلك لتسهيلِ التكليف، كما قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28].

و(الاستمناء) لا يُباح عندَ أكثر العلماء - سلفًا وخلفًا - سواءٌ خشِي العنَت، أم لم يخشَ ذلك، وكلام ابن عباس، وما رُوِيَ عن أحمدَ فيه، إنما هو لمن خَشِيَ "العنت" وهو الزِّنا واللواط خشيةً شديدة، خاف على نفْسه من الوقوع في ذلك، فأُبيح له ذلك؛ لتكسير شدَّة عنَته وشهوته. وأمَّا مَن فعَل ذلك تلذُّذًا، أو تَذَكُّرًا، أو عادةً؛ بأنْ يتذكَّر في حال استمنائه صورةً كأنه يُجامعها، فهذا كلُّه محرَّم، لا يقول به أحمد ولا غيره، وقد أوْجب فيه بعضُهم الحدَّ، والصبر عن هذا مِن الواجبات، لا من المستحبَّات.

وأمَّا الصبر عن المحرَّمات، فواجب، وإنْ كانت النفس تَشتهيها وتهواها؛ قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 33]؛ و(الاستعفاف) هو ترْك المنهي عنه؛ كما في الحديث الصحيح عن أبي سعيدٍ الخُدْري عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: «مَن يستعفِفْ يعفَّه الله، ومَن يستغنِ يُغنِهِ الله، ومَن يتصبَّرْ يصبِّرْه الله، وما أُعْطِيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ من الصبر». فالمستغني لا يستشرِف بقلْبه، والمستعفِف هو الذي لا يسأل الناسَ بلِسانه، والمتصبِّر هو الذي يتكلَّف الصبر".

والحاصل: أنَّه إذا خَشِيتِ على نفْسِكِ العنَت، أو الوقوع في الزِّنا - عافاكِ الله - فالاستمناء أصلحُ لكِ بلا شك، ولو فعلتِ هذا بيد زوْجك لكان جائزًا بغير خِلاف، ولا شُبهةَ فيه.

هذا، وأدْعوك لتأمُّل آيات القرآن التي تتحدَّث عنِ الزوجين، والحِكَمِ الجليلة التي شرَع الله الزواج لها، وخلق الجِنسين متجانسين ومتوافقين؛ ليلبِّيَ كلٌّ منهما حاجةَ الآخر الفِطرية، ويجد عندَه الراحة والطُّمأنينة والاستقرار، والسَّكَن وتلبية الرَّغائب، حتى لا تكادَ تجدُ بيْن أحدٍ مِن الخَلْقِ ما بيْن الزَّوْجين من المودَّة والرَّحْمة؛ قال الله – تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم: 21]، وقال: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 188].

وقال: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 223]، وقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا}[النحل: 80]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، وقال-سبحانه-:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21].

ولذلك؛ فلا تَسْتسلمي لحالِ زوجك، وسوء سلوكه؛ فإنَّ الله سنَّ سننًا شرعية؛ لدفْع ما يطرأ مِن فسادٍ في الأسرة مِن تدخُّلُ العقلاءِ من الأقارب والمعارف؛ لوعظِ الزوج الضالِّ، وردِّهِ عن غيِّه، وحملِه على الكفِّ عن الأفعال الشائنة، وأن يُعطيك حقوقَك الشرعيَّة، فإن تَعَذَّرَ ذلك، أو لم تَجِدِي منه إلا الصدود، فلم يبقَ إلا الدواء الأخير، وهو الطلاقُ، كحلٍّ أخير قبل أن يكونَ بينكما أطفالٌ.

وراجعي على موقِعنا استشارة: "فالفرقة خيرٌ من بيتٍ لا مودَّة فيه ولا رحمة".

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 33
  • 11
  • 273,227

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً