الموت يوم الجمعة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن من علامات حسن الخاتمة الموت يوم الجمعة؛ واحتجوا بما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم -: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر"، ولو صح هذا الحديث، لكان نصاً في المسألة ولكن الحديث ضعيف؛ وقد بين شيخنا أبو عبد الله سعد بن عبدالله الحميد –حفظه الله– ضعف الحديث حيث قال: إنه حديث ضعيف، لا يصح من طريق، ولا يتقوى بمجموع طرقه، فالحديث مع كثرة طرقه ضعيف، لأن جميعها غير سالمة من مطعن فراجعه لزامًا على الرابط: "ضعف حديث فضل الموت يوم الجمعة".
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين: "وأما الموت يوم الجمعة أو يوم الاثنين فهذا ليس فيه فضيلة؛ لأن الإنسان إنما يثاب على أمر له فيه فضيلة، أي: له فيه عمل، وهل الإنسان إذا تمكن أن يؤجل الموت إذا جاءه يوم الخميس إلى يوم الجمعة؟ لا يمكن، فالشيء الذي ليس للإنسان فيه عمل هذا ليس فيه ثواب، وليس فيه عقاب، لكن إن وردت أحاديث تدل على فضيلة الموت يوم الاثنين مثلاً، فنقول بها، أما إذا لم يرد فالأصل أن ما ليس للإنسان فيه اختيار ليس فيه ثواب ولا عقاب. وأما قول أبي بكر حينما كان مريضاً فكان يود أن يموت يوم الاثنين في مرضه ولم يمت، فهذا حباً منه أن يموت في اليوم الذي مات فيه الرسول عليه الصلاة والسلام". اهـ.
وليُعلَم: أن ظهور شيء من علامات حسن الخاتمة لا يلزم منه الجزم بأن صاحبها من أهل الجنة، ولكن يستبشر له بذلك، كما أن عدم وقوع شيء منها للميت، لا يلزم منه أنه غير صالح؛ فهذا كله من الغيب الذي استفرد الله بعلمه، وإن كان الثناء الحسن من أهل الإيمان مما يستلزم القطع بحسن الخاتمة.
وتتميماً للفائدة سنذكر بعض علامات حسن الخاتمة التي جمعها العلماء - رحمهم الله - باستقراء النصوص:
- أن يُوفَّق العبد قبل موته للابتعاد عما يغضب الرب سبحانه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير؛ فيموت على عمل صالح؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله" قالوا: كيف يستعمله؟ قال: "وفقه لعمل صالح قبل موته"؛ رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه.
- ومنها ما يبشر به عند موته من رضا الله تعالى واستحقاق كرامته تفضلاً منه تعالى؛ كما قال جل وعلا: {رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30]، ويظهر ذلك على وجه المحتضِر.
- النطق بالشهادة عند الموت؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"؛ رواه أبو داوود وصححه الألباني.
- الموت برشح الجبين، أي: أن يكون على جبينه عرق عند الموت؛ لما رواه بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "موت المؤمن بعرق الجبين"؛ رواه أحمد والترمذي والنسائي، وصححه الألباني.
- الموت غازياً في سبيل الله؛ لقول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169-171]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد"؛ رواه مسلم.
- الموت بالطاعون؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الطاعون شهادة كل مسلم"؛ متفق عليه.
- الموت بداء البطن؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "... ومن مات في البطن فهو شهيد"؛ رواه مسلم.
- الموت بسبب الهدم والغرق؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغَرِق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله"؛ متفق عليه.
- موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها أو وهي حامل به؛ ومن أدلة ذلك ما رواه الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت أنه قال: أُخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الشهداء، فذكر منهم: "والمرأة يقتلها ولدها جمعاء شهادة، يجرها ولدها بسُرَرِه إلى الجنة"؛ صححه الألباني، قال الخطابي: "معناه أن تموت وفي بطنها ولد".
- الموت بالحرق، وذات الجنب، والسل؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "القتل في سبيل الله شهادة " ثم قال: "والحرق والسل"؛ صححه الألباني.
- الموت دفاعاً عن الدين أو المال أو النفس؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قُتِل دون ما له فهو شهيد، ومن قُتِل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد"؛ رواه الترمذي.
- الموت رِبَاطاً في سبيل الله؛ لما رواه مسلم عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأُمن الفتان".
وهذه العلامات هي من البشائر الحسنة التي تدل على حسن الخاتمة، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وجميع المسلمين حسن الخاتمة، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: