نصائح لمن تأخرت عن الزواج
لا أعرف كيف أبتَدِئ، المهمُّ أنا عندي مشكلة، وهي أنَّه كلَّما تقدَّم لي عريس يَختفي قبل أن يقرأ الفاتحة وبعد أن نكون حدَّدنا ميعادها وميعاد الخطوبة، ونكون تكلَّمنا في تفاصيل الجواز.
على فكرة ستقول: إنِّي أطلب حاجات كثيرة، لا، أبدًا أنا أطلب ما يرضي الله وأتساهل كثيرًا، الغريب أنَّ كلَّ واحد يَمشي من غير سبب، ويقول أنت "كويسة" لكن قسمة ونصيب، وأناس كثيرون يقولون: "معمول لك عمل" هل هذا مُمكن؟
أنا أعرف أنَّ العمل عمَلُ الله، وكل شيء مُقَدَّر ومكتوب، ومتأكدة أنَّ ربَّنا يدخر لي الخير، وأدعوه في صلاتي كل يوم يبعث لي الزَّوْجَ الصَّالح.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فبدايةً نُنبِّه الأختَ السائلة إلى أنَّ مسألةَ الزَّواج هي رزقٌ من الله تعالى، ولا يَخفى على المَرْءِ أنَّ رزقَ الله تَعالى له أجلٌ مُسمًّى لا يتقدَّم ولا يتأخَّر، ولابدَّ أن تعلَمِي أيضًا أنَّ ما يقدِّرُه الله - عزَّ وجلَّ - في طيَّاته خيرٌ للمؤْمِن ولا شَكَّ، فقد يكونُ مَن تقدَّموا لخطبتكِ ليسوا أهْلاً لكِ؛ قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216]، وقال: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
أمَّا حكمُكِ على مَن يرى أنَّ ما أصابَكِ قد يكون بسبَبِ السِّحْر بالتَّخلُّف، فيَجِبُ عليْكِ التَّوبة منه؛ لأنَّ السِّحْرَ موجودٌ وله حقيقةٌ وتأثير، ولا يُنْكِرُ وُجودَ السِّحْرِ إلا مُكابرٌ أو مُخالف لِما ثَبَت في نصوص القُرآن والسنة وإجْماعِ مَن يُعتَبَرُ مِن علماء الأُمَّة، أو جاهلٌ بالأحكام الشرعية؛ قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 1 – 4]، يعنِي السَّواحر اللاتي يَعْقِدْنَ في سِحْرِهنَّ وينفثْنَ عليْهِ، ولوْلا أنَّ له حقيقةً لَما أمر اللهُ بالاستِعاذة منه، وقال تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69]، والسِّحر: عُقَد وكلامٌ يَتَكَلَّمُ به أو يَكْتُبه السَّاحِرُ، أو يَعمَلُ شيئًا يؤثِّرُ في بدَنِ المسحورِ أوْ قَلْبِه أوْ عَقْلِه، وهُو لا يؤثِّرُ في المُصاب إلا بإذْنِ الله تعالى؛ {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102].
وقَدْ ثَبَتَ في "صحيح الإمام البخاري" عن عائشةَ - رضي الله عنها - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - سُحِرَ حتَّى إنَّه ليُخَيَّل إليْهِ أنَّه يفْعَلُ الشَّيءَ وما يفْعَلُه، وأنه قال لها ذاتَ يوم: " ".
ويَعْلَمُ المُصاب أنَّه مَسحورٌ إذا تغيَّر حالُه؛ فَمِنَ السِّحْر ما يَقْتُل ومِنْهُ ما يُمْرِضُ، ومِنْهُ ما يَأْخُذُ الرَّجُلَ عنِ امْرَأَتِه فيَمْنَعُه وَطْأَها، ومِنْهُ ما يُفَرِّقُ بَيْنَ المَرْءِ وزَوْجِه وما يُبَغِّضُ أحدَهُما إلى الآخَر، أَوْ يُحَبِّبُ بَيْنَ اثْنَيْن، وكلُّ ذلك لا يكون إلا بِإِذْن الله.
ومَنْ أُصيبَ بِشَيْءٍ من السِّحْر فيُشْرَعُ له حَلُّه بالرُّقَى المشروعةِ منَ القُرآن والأدعية، ولا يَحلُّه عند ساحرٍ؛ لأنَّ هذا مُحرَّم. وإنْ كانَ كلُّ أحدٍ يعْلَمُ بِالضَّرورة أنَّ لتأخُّر الزَّواج أِسبابًا كثيرة غير السِّحر.
وعليه؛ فالذي ننصَحُكِ به هو الرِّضا بِما قدَّر الله تعالى، والالْتِجاء إليه سبحانه، فهو لا يَرُدُّ دعوةَ مَن يدعوه، وعدم اليأَس من رَوْح الله تعالى، ولا بَأْسَ أن تَرْقِي نفسَك أو تَستَعِيني بأَحَدِ المُعالِجين المَوثوقِ بِهم ليقرأَ عليْكِ آياتِ الرُّقية، لعلَّك تكونين في حاجة إلى العِلاج مِنْ سِحْرٍ ونَحوه.
هذا؛ وكونُ السِّحر له تأثيرٌ لا يُعارض أنَّ كلَّ شيء مقدَّر ومكتوب، فهو من بابِ رَبْطِ الأشياء بأسبابِها؛ كالأَكْلِ للشِّبَع، والنِّكاح لتَحْصِيلِ الوَلَد، والتداوي للشفاء وغير ذلك، فتناوُل السُّمِّ مَثَلاً قد يَكُونُ سببًا لِلمَوْتِ وهُو لا يُعارِضُ ما كُتِبَ وقُدِّر؛ لأنَّه قَدَّرَ اللَّهُ له الموت بهذه الطريقة، وكذلك السِّحر فهو من الأسباب المحرِّمة لِعَطْفِ الرَّجل على المرأة أو التفريق بَيْنَهُما، وهُو مُوافِقٌ لِما قُدِّرَ للمرءِ أن يفرَّق بينه وبين امرأته عن طريق السِّحر، ومِنْ ثَمَّ لمَّا قِيل لِرسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أرأيتَ رُقًى نَسْتَرْقِيها ودواءً نتداوَى به وتُقاةً نتَّقيها هل تردُّ من قَدَرِ اللَّهِ شيئًا؟ قال: " "؛ رواهُ التِّرمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح.
وفي الصحيحين من حديث ابن عبَّاس: أنَّ عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - لمَّا خرج للشَّام في زَمِن طاعونِ عمواس فقال بعدما شاوَرَ النَّاس: "إنِّي مُصْبِحٌ على ظهْرٍ فأصْبِحوا عليْهِ" قال أبو عبيدةَ بْنُ الجرَّاح: أفِرارًا مِنْ قَدَرِ اللَّه؟ فقال عمر: "لو غيرُكَ قالَها يا أبا عُبَيْدة، نَعَم نَفِرُّ من قَدَر اللَّه إلى قَدَرِ الله، أرأيْتَ لو كان لكَ إِبِلٌ هَبَطَت واديًا له عدوتان، إحداهُما خصبة، والأخرى جدبةٌ، أليسَ إن رعَيْتَ الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رَعَيْتَ الجدْبَة رعيْتَها بِقَدَرِ الله؟! قال ابنُ عبَّاس: فجاءَ عبدالرَّحمن بن عوف وكان متغيِّبًا في بعض حاجتِه، فقال: إنَّ عندي مِن هذا علمًا، سَمِعْتُ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: " " قال: فحمِد اللهَ عُمَرُ بن الخطاب ثم انصرف.
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: