أبي يأمرني بنزع الحجاب، ومحادة رب الأرباب
فتاة محجبة في المرحلة الإعدادية، تريد لبس الخمار، ولكن والدها يريد أن تخلع الحجاب، وترتدي الملابس الضيقة، فماذا تفعل؟ مع العلم أنها حاولت إقناعه بكل الطرق، ولكنه يزداد إصراراً، فما الحل؟ نرجو الرد بأقصى سرعة؛ لأن الفتاة في ضائقة شديدة جداً، وتريد الحل سريعاً.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن الفتاة المسلمة مأمورة بالحجاب الشرعي، وبسَتْرِ زينتها عن الرجال الأجانب من غير محارمها، متى بلغت المحيض؛ قال اللّه تعالى فى كتابه العزيز: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].
وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59].
وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ".
ولُبْس الحجاب يتأكد ويتحتم في هذا العصر، الذي عَمَّ فيه الفساد وطم، وانتشرت فيه المنكرات.
ولمزيد من التفصيل حول حكم الحجاب؛ راجعْ: "حكم خلع الحجاب طاعة للرئيس في العمل"، "حكم النقاب"، "الخمار أمِ النقاب"، ولفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز فتوى: "فرضية الحجاب وأهميته".
وإذا تَقَرَّر هذا، فإنا ننصح تلك الفتاة المباركة الطيبة -إن شاء الله تعال-: بأن تَثْبت على ما هي عليه من الحق والصدق والبِرِّ والعفاف والطهارة، وترتديَ الحجاب؛ طاعةً لله، ولو كره والدها ورفض؛ لأنه لا يُغْني عنها من اللّه شيئًا؛ ولأن طاعة الأب ليست مطلقة، بل هي مقيدة بما لا يخالف الشرع، حتى لو أدَّى ذلك لتعرضها للأذى، فلتصبر ولتحتسب الأجر عند الله، وفى سبيل مرضاته؛ ففي حديث عائشة أم المؤمنين - رضي اللّه عنها - الذي بَعَثتْ به إلى معاوية -رضي اللّه عنه-: " "؛ رواه عبد بن حميد في "المنتخب من المسند".
وأيضًا: فإنه إذا تعارضت طاعة الوالد مع طاعة الله تعالى، فلا شك أن طاعة الله أولى وأحق؛ قال الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15]. قال في "سبل السلام": "الآيةُ إنما هي فيما إذا حَمَلاه على الشرك، ومِثْلُه غيرُه من الكبائر، وفيه دلالة على أنه لا يطيعهما في ترك فرض الكفاية والعين". اهـ.
وفي الصحيحين عن عليٍّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " "، وقال -صلى الله عليه وسلم-: " "؛ رواه أحمد، وصححه الألباني.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: " "؛ "رواه البخاري".
قال في "فيض القدير": "لا طاعةَ لأحد من المخلوقين -كائنًا مَن كان، ولو أبًا، أو أُمًّا، أو زوجًا- في معصية الله؛ بل كلُّ حقٍّ -وإنْ عَظُمَ- ساقطٌ إذا جاء حق الله؛ إنما الطاعة في المعروف؛ أي: فيما رضيه الشارع واستحسنه، وهذا صريح في: أنه لا طاعةَ في مُحَرَّم، فهو مُقَيِّدٌ للأخبار المطلقة". اهـ.
وتراجع فتوى سماحة الشيخ ابن باز: "حكم طاعة الوالدين في معصية الله"، وينبغي لهذه الأخت أن تُنَاصِحَ والدَها، وتُبَيِّن له ضرورة التمسك بما شرعه الله تعالى وأَمَرَ به، وأن تستعينَ بمن تراه أهلاً لهذا: من قريبٍ، أو إمامِ مسجد، أو غير ذلك، كما عليها الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله -عز وجل- أن يَشْرَحَ اللهُ صدرَ والدها، ولْتُحْسِنْ صُحْبَتَه بالمعروف، قولاً وعملاً.
هذا؛ وأقول لتلك الابنة المباركة: إن اختبار الله لعباده المؤمنين أصلٌ ثابت، وسنَّة جارية لله -سبحانه- في خلقه، ومنها الفتنة مع الوالدين، وهي شاقة عسيرة على النفس، وقد ابْتُلي كثير من سادة الأمة، من الصحابة الأبرار، وهم في مثل عمركِ، فصبروا وبَرُّوا، حتى صاروا أئمةَ الهدى، ومصابيحَ الدُّجَى، فليَقَرَّ قلبُكِ وليطمئن؛ ولتنتظري ما وعد الله لعباده المؤمنين انتظارَ واثقٍ مُسْتَيْقِنٍ، وحَسْبُكِ -بُنَيَّتِي-أن يختارَكِ الله-سبحانه- لتكوني أمينةً على حقِّه، وأن يشهد لك بصلابة الدين، فيختارَك للابتلاء؛ كما جاء في الصحيح: " ".
وقال -صلى الله عليه و سلم-: " "؛ أي: يَبْتَلِيهِ بالمصائب؛ رواه البخاري، عن أبي هريرة.
وقال -صلى الله عليه و سلم-: " "؛ رواه ابن حبان؛ وصححه الألباني.
وقال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 3،2].
قال سيد قطب -رحمه الله-: "إن الإيمان ليس كلمةً تُقَال، إنما هو حقيقة ذاتُ تكاليف، وأمانةٌ ذاتُ أعباء، وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال، فلا يكفي أن يقول الناس: "آمنَّا"، وهم لا يتركون لهذه الدعوى، حتى يتعرضوا للفتنة، فيثبتوا عليها، ويخرجوا منها صافيةً عناصرُهم، خالصةً قلوبُهم، كما تَفْتِنُ النارُ الذهبَ؛ لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقةِ به، وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب.
إن الإيمان أمانةُ الله في الأرض، لا يحملها إلا مَن هم لها أهلٌ، وفيهم على حملها قدرة، وفي قلوبهم تَجَرُّدٌ لها وإخلاص، وإلا الذين يُؤْثرونها على الراحة والدَّعة، وعلى الأمن والسلامة، وعلى المتاع والإغراء، وإنها لأمانةُ الخلافة في الأرض، وقيادةُ الناس إلى طريق الله، وتحقيق كلمته في عالم الحياة؛ فهي أمانةٌ كريمة، وهي أمانة ثقيلة، وهي من أمر الله يَضْطلع بها الناس؛ ومِن ثَمَّ تحتاج إلى طراز خاص، يصبر على الابتلاء.
وما بالله -حاشا لله- أن يُعَذِّب المؤمنين بالابتلاء، وأن يؤذيَهم بالفتنة؛ ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة، فهي في حاجة إلى إعداد خاص، لا يَتِمُّ إلا بالمعاناة العمليّة للمشاقّ، وإلا بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات، وإلا بالصبر الحقيقي على الآلام، وإلا بالثقة الحقيقية في نصر الله أو في ثوابه، على الرغم من طول الفتنة وشدة الابتلاء.
والذي يبذل من دمه وأعصابه، ومن راحته واطمئنانه، ومن رغائبه ولذَّاته، ثم يصبر على الأذى والحرمان يشعر ولا شك بقيمة الأمانة التي بَذَلَ فيها ما بذل، فلا يُسْلِمُها رخيصةً بعد كل هذه التضحيات والآلام". اهـ. مختصرًا من "الظلال".
وأقول لوالد تلك الفتاة: حذارِ ثم حذارِ أن تكون شُؤْمًا على ابنتك؛ فشَرُّ الرِّعَاءِ الحُطَمَةُ، فمَنْ يَفْتن مؤمنًا أو يعمل سوءًا، فليس بمُفْلِتٍ من عذاب الله ولا ناجٍ، مهما انتفخ باطلُه وانْتَفَشَ، وهذا من سنّة الله في خلقه؛ كما قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [العنكبوت: 4].
ومَن ظنَّ أنه مُفْلِتٌ، فقد ساء حُكْمُه، وفَسَد تقديره، واختلَّ تصوُّره، فالذي جعل الابتلاء سنَّةً وامتحانًا للمؤمن، هو الذي جعل أخذَ المسيئين سنَّةً ماضية، لا تَتَبَدَّلُ، ولا تتخلف، ولا تحيد، ولتحمد الله أن رزقكَ ابنة ديِّنة تريد الله والعفاف، ولم يبتلك بغانية محادة لله ورسوله؛ تدنس عرضك،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: