العلاقاتُ الماليةُ بين الزوجين

منذ 2014-03-23
السؤال:

إنها متزوجةٌ منذ عشرين عاماً،وهي موظفةٌ منذ زواجها، وأسهمت مع زوجها في بناء البيت الذي يسكنانه بأكثر من نصف تكاليفه، وقد حصلت خلافاتٌ شديدةٌ مع زوجها في ملكية البيت، فهل من حقها أن تحصل على نصيبها في البيت، أفيدونا؟

 

الإجابة:

أولاً: إنفاق الزوج على زوجته وأولاده واجبٌ شرعاً باتفاق أهل العلم، ويدخل في ذلك المسكن المناسب، فتأمينه من واجبات الزوج، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [سورة البقرة الآية 233]. وقوله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [سورة الطلاق الآية 7]. وقال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ} [سورة الطلاق الآية 6]. وقال الإمام البخاري في صحيحه: ”باب وجوب النفقة على الأهل والعيال”وقال الحافظ ابن حجر: [الظاهر أن المراد بالأهل في الترجمة الزوجة، وعطف العيال عليها من العام بعد الخاص] ثم ساق الإمام البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة ما ترك غنىً، واليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى، وإبدأ بمن تعول، تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني إلى مَنْ تدعني».

وقد حثَّ الرسولُ صلى الله عليه وسلم على الإنفاق على الأهل والعيال، والمُنْفقُ مأجورٌ إن شاء الله تعالى، حيث قال: «إذا أنفق المسلمُ نفقةً على أهله، وهو يحتسبها كانت له صدقة»  (رواه البخاري). ونقل الحافظ ابن حجر عن المهلب قوله: [النفقةُ على الأهل واجبةٌ بالإجماع، وإنما سمَّاها الشارع صدقةً، خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه، وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر، فعرَّفهم أنها لهم صدقة، حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع] (فتح الباري11/425).

وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل دينارٍ ينفقُهُ الرجلُ: دينارٌ ينفقه على عياله، ودينارٌ ينفقه على دابته في سبيل الله، ودينارٌ ينفقه على أصحابه في سبيل الله» (رواه مسلم).

ثانياً: أعطى الإسلامُ المرأةَ حقوقاً كثيرةً، ومن ذلك أن الإسلام أثبت للمرأة ذمةً ماليةً مستقلةً، فالمرأة أهلٌ للتصرفات المالية تماماً كالرجل، فهي تبيع وتشتري وتستأجر وتؤجر وتوكل وتهب، ولا حَجْرَ عليها في ذلك، ما دامت عاقلةً رشيدةً، وقد دلت على ذلك عموم الأدلة من كتاب الله سبحانه وتعالى ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛فمن ذلك قوله تعالى: «فَإِنْ ءَانَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ» [سورة النساء الآية 6].

والمرأة داخلةٌ في هذا العموم على الصحيح من أقوال أهل العلم. ومن قال سوى ذلك، فقوله تحكمٌ لا دليلَ عليه كما قال القرطبي في تفسيره 5/38-39.

وكذلك فإن المرأة داخلةٌ في عموم النصوص التي وردت فيها التكاليف الشرعية، بلا فرقٍ بينها وبين الرجل إلا ما أخرجه الدليل. ومن الأدلة الخاصة التي تدل على أن للمرأة ذمةً ماليةً مستقلةً، ما قاله الإمام البخاري في صحيحه: [باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها، إذا كان لها زوجٌ فهو جائزٌ، إذا لم تكن سفيهةً، فإذا كانت سفيهةً لم يجز. وقال الله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [سورة النساء الآية 5]. ثم ذكر حديث كريب مولى ابن عباس رضي الله عنه: «أن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أخبرته أنها أعتقت وليدةً، ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: أشعرتَ يا رسول الله أني أعتقت وليدتي؟ قال: أو فعلت؟ قالت: نعم. قال: أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك» قال الحافظ ابن حجر: [قوله باب هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج] أي ولو كان لها زوج [فهو جائزٌ إذا لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز. وقال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} وبهذا الحكم قال الجمهور] (صحيح البخاري مع فتح الباري5/267-268).

وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [وظاهر كلام الخرقي: أن للمرأة الرشيدة التصرفَ في مالها كله بالتبرع والمعاوضة. وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن المنذر]ثم استدل ابن قدامة لقول الجمهور: [ولنا قوله تعالى: {فَإِنْ ءَانَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} وهو ظاهرٌ في فك الحَجْر عنهم وإطلاقهم في التصرف. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن» وأنهن تصدقن فقبل صدقتهن ولم يسأل، ولم يستفصل. وأتته زينب امرأة عبدالله وامرأة أخرى اسمها زينب، فسألته عن الصدقة: هل يجزيهن أن يتصدقن على أزواجهن وأيتام لهن؟فقال: نعم، ولم يذكر لهن هذا الشرط، ولأن من وجب دفع ماله إليه لرشده، جاز له التصرف فيه من غير إذنٍ كالغلام، ولأن المرأة من أهل التصرف ولا حق لزوجها في مالها] (المغني4/348-349).

ثالثاً: إذا تقرر أن للزوجة ذمةً ماليةً مستقلةً، فالعلاقات المالية بين الزوجين تُطبقُ عليها الأحكام الشرعية التي ضبطت الأمور المالية بشكلٍ عامٍ، فإذا اشترك الزوجان في مشروع تجاري، فضابطُ ذلك الأحكامُ الشرعية للشركات في الفقه الإسلامي، وهكذا في بقية القضايا المالية.  وتفصيل ذلك كما يلي:

(1)لا بد أن يتفاهم الزوجان على القضايا المالية، حتى لا يؤثر خلافهما على حياتهما الزوجية. ولا بد للزوج أن يحفظ حقوق زوجته، وقد صح في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني أُحَرِّجُ عليكم حقَّ الضعيفين: اليتيم والمرأة»  (رواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه العلامة الألباني). ونلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرن المرأة باليتيم؛لأنها إذا اشتكت قد لا تجد من تشتكي إليه إلا الله جل جلاله، ويتخلى عنها أبوها وأخوها وابنها وقرابتها، فلا تجد إلا الله {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} [سورة النساء الآية45].  islamweb. net/audio/index. php?page=FullContent&audioid=126885

(2)من المعلوم أنه في حالاتٍ كثيرةٍ تُسهم الزوجةُ الموظفةُ في بناء بيت الزوجية وتأثيثه ونحو ذلك، دون أن توثق الزوجةُ مساهمتَها لإثبات حقها، فلا بد من توثيق العلاقات المالية بين الزوجين، ولا يُعتمد على عامل المحبة والمودة بينهما، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ…وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا} [سورة البقرة الآية 282].

(3)يجب أن يعلم الزوجُ أن مال الزوجة محرَّمٌ عليه إلا برضاها، فقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: «إن دمائكم وأموالكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم» (رواه البخاري ومسلم). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرامٌ، دمهُ ومالهُ وعرضهُ» (رواه مسلم). وقال تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [سورة النساء الآية 4]. وورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل مال امرئٍ مسلمٍ إلا بطيب نفسٍ»  (رواه أحمد والبيهقي والطبراني وغيرهم، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل5/279).

(4)إذا أعطت الزوجةُ شيئاً من مالها لزوجها على سبيل الهبة، فلا يجوز لها المطالبةُ به، لأنه لا يجوز الرجوع في الهبة بعد القبض، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» (رواه البخاري ومسلم). وعنه أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس لنا مَثَلُ السَّوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه» (رواه البخاري). قال الإمام مالك: [وإن أنفقت عليه في ذاته وهو حاضرٌ مليءٌ أو معدمٌ، فلها اتباعه به إلا أن يُرى أن ذلك بمعنى الصلة] (التهذيب في اختصار المدونة 1/334).

(5)إذا قدَّمت الزوجةُ لزوجها المال على سبيل القرض، فلها أن تسترده.

(6)إذا شاركت الزوجةُ زوجها في مشروع أو بيت أو نحوهما، فحقها ثابتٌ في الشركة بمقدار حصتها.

(7)في جميع الأحوال لا بدَّ للزوجة أن تقدم الإثبات على صحة دعواها، ويكون ذلك أمام القضاء، والأولى أن يصلحا بينهما، فالصلح خير، فيقتسما المال بينهما بالتراضي.

(8)أصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي قراراً ينظم الذمة المالية بين الزوجين، ورد فيه:

أولاً: انفصال الذمة المالية بين الزوجين. للزوجة الأهلية الكاملة والذمة المالية المستقلة التامة، ولها الحق المطلق في إطار أحكام الشرع مما تكسبه من عملها، ولها ثروتها الخاصة، ولها حق التملك وحق التصرف بما تملك ولا سلطان للزوج على مالها، ولا تحتاج لإذن الزوج في التملك والتصرف بمالها.

ثانياً: النفقة الزوجية: تستحق الزوجة النفقة الكاملة المقررة بالمعروف، وبحسب سَعَة الزوج، وبما يتناسب مع الأعراف الصحيحة والتقاليد الاجتماعية المقبولة شرعاً، ولا تسقط هذه النفقة إلا بالنشوز.

ثالثاً: عمل الزوجة خارج البيت:

(1)من المسؤوليات الأساسية للزوجة رعايةُ الأسرة وتربية النشء والعناية بجيل المستقبل، ويحق لها عند الحاجة أن تمارس خارج البيت الأعمال التي تتناسب مع طبيعتها واختصاصها بمقتضى الأعراف المقبولة شرعاً، بشرط الالتزام بالأحكام الدينية والآداب الشرعية ومراعاة مسؤوليتها الأساسية.

(2)إن خروج الزوجة للعمل لا يُسقط نفقتها الواجبة على الزوج المقررة شرعاً، وفق الضوابط الشرعية، ما لم يتحقق في ذلك الخروج معنى النشوز المسقط للنفقة.

رابعاً: مشاركة الزوجة في نفقات الأسرة:

(1)لا يجب على الزوجة شرعاً المشاركة في النفقات الواجبة على الزوج ابتداءً، ولا يجوز إلزامها بذلك.

(2)تطوع الزوجة بالمشاركة في نفقات الأسرة أمرٌ مندوبٌ إليه شرعاً لما يترتب عليه من تحقيق معنى التعاون والتآزر والتآلف بين الزوجين.

(3)يجوز أن يتمَّ تفاهمُ الزوجين واتفاقهما الرضائي على مصير الراتب أو الأجر الذي تكسبه الزوجة.

(4)إذا ترتب على خروج الزوجة للعمل نفقاتٌ إضافيةٌ تخصها، فإنها تتحمل تلك النفقات.

خامساً: اشتراط العمل:

(1)يجوز للزوجة أن تشترط في عقد الزواج أن تعمل خارج البيت، فإن رضي الزوج بذلك أُلزم به، ويكون الاشتراط عند العقد صراحة.

(2)يجوز للزوج أن يطلب من الزوجة تركَ العمل بعد إذنه به، إذا كان التركُ في مصلحة الأسرة والأولاد.

(3)لا يجوز شرعاً ربطُ الإذن أو الاشتراط للزوجة بالعمل خارج البيت مقابل الاشتراك في النفقات الواجبة على الزوج ابتداء أو إعطائه جزءً من راتبها وكسبها.

(4)ليس للزوج أن يجبر الزوجة على العمل خارج البيت.

سادساً: اشتراك الزوجة في التملك: إذا أسهمت الزوجة فعلياً من مالها أو كسب عملها في تملك مسكنٍ أو عقارٍ أو مشروعٍ تجاريٍ، فإن لها الحق في الاشتراك في ملكية ذلك المسكن أو المشروع بنسبة المال الذي أسهمت به.

سابعاً: إساءة استعمال الحق في مجال العمل:

(1)للزواج حقوقٌ وواجباتٌ متبادلةٌ بين الزوجين، وهي محددةٌ شرعاً، وينبغي أن تقوم العلاقة بين الزوجين على العدل والتكافل والتناصر والتراحم، والخروج عليها يُعدُّ محرمٌ شرعاٌ.

(2)لا يجوز للزوج أن يسيء استعمال الحق بمنع الزوجة من العمل أو مطالبتها بتركه، إذا كان بقصد الإضرار أو ترتب على ذلك مفسدةٌ وضررٌ يربو على المصلحة المرتجاة.

(3)ينطبق هذا على الزوجة إذا قصدت من البقاء في عملها الإضرار بالزوج أو الأسرة أو ترتب على عملها ضررٌ يربو على المصلحة المرتجاة منه].

وخلاصة الأمر أن إنفاق الزوج على زوجته وأولاده واجبٌ شرعاً باتفاق أهل العلم، وأن الإسلام أثبت للمرأة ذمةً ماليةً مستقلةً، فالمرأة أهلٌ للتصرفات المالية تماماً كالرجل، وأن العلاقات المالية بين الزوجين تُطبقُ عليها الأحكام الشرعية التي ضبطت الأمور المالية بشكلٍ عامٍ، وأنه لا بد أن يتفاهم الزوجان على القضايا المالية، حتى لا يؤثر خلافهما على حياتهما الزوجية. ولا بد للزوج أن يحفظ حقوق زوجته، وأنه لا بد من توثيق العلاقات المالية بين الزوجين، وأن مال الزوجة محرَّمٌ على الزوج إلا برضاها، وإذا قدمت الزوجة لزوجها المال على سبيل القرض، فلها أن تسترده,وإذا وهبته فلا يجوز الرجوع في الهبة بعد القبض، وإذا أقرضته فلها أن تسترده، وإذا شاركته فحقها ثابتٌ بمقدار حصتها. وفي جميع الأحوال لا بدَّ للزوجة أن تقدم الإثبات على صحة دعواها، ويكون ذلك أمام القضاء، والأولى أن يصلحا بينهما صلحاً، والصلح خيرٌ.

والله الهادي إلى سواء السبيل.

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 58
  • 7
  • 616,282

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً