يحرم شرعاً إقامة طقوس غير المسلمين في المسجد الأقصى المبارك
حسام الدين عفانه
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
ما هو الحكم الشرعي في إقامة طقوس غير المسلمين في المسجد الأقصى المبارك، أفيدونا؟
أولاً: يجب أن يُعلم أن المسجد الأقصى المبارك، يعني جميع ما أحاط به سور المسجد الأقصى المبارك، ويشمل ذلك كل ساحاته ومرافقه وقبابه، ومسجد قبة الصخرة، وجدرانه الداخلية والخارجية، بما فيها حائط البراق، ويشمل أيضاً ما كان تحت أرض المسجد وما كان فوقها.
ومكانة المسجد الأقصى المبارك عظيمةٌ عندنا أمةَ الإسلام، فهو مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السموات العلُى، قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقصى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [سـورة الإسـراء الآية1].
ووردت أحاديث كثيرة في فضله منها: « » (رواه البخاري ومسلم).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه أحمد والنسائي وابن ماجة، وهو حديثٌ صحيحٌ كما قال العلامة الألباني في صحيح الترغيب2/22).
ووردت أحاديثُ في مضاعفة الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وأصحها عن أبي ذر رضي الله عنه قال: « » (رواه الطبراني والطحاوي والبيهقي والحاكم وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح. وصححه العلامة الألباني، بل قال عنه إنه أصح ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الأقصى، السلسلة الصحيحة حديث رقم 2902).
ثانياً: حائط البراق جزءٌ لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك، فهو الجدارُ الغربي له، وهو مرتبطٌ بمعجزة الإسراء والمعراج الخالدة في عقيدتنا الإسلامية وفي تاريخنا الإسلامي، فقد صح في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه مسلم).
وحائط البراق هي التسميةُ الصحيحةُ له لا كما يسميه يهود ”حائط المبكى” فهذه التسميةُ مخترعةٌ وباطلةٌ، وحائط البراق جزءٌ أصيلٌ من المسجد الأقصى المبارك، وهو وقفٌ إسلاميٌ، هو والممر الذي كان أمامه قبل هدم المنازل التي كانت قائمةً، وهُدمت بعد حرب عام1967م مباشرةً.
وحقُ المسلمين في حائط البراق ثابتٌ شرعاً وتاريخاً وقانوناً، وقد صدرت فتاوى كثيرةٌ في إثبات هذا الحق التاريخي للمسلمين منها:
فتوى المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية السابق فضيلة الشيخ عكرمة صبري، حيث ورد فيها: [حائط البراق هو جزءٌ من السور الغربي للمسجد الاقصى المبارك، وإن أسوار المسجد جميعها وقفٌ إسلامي، لأن السور يتبع للمسجد بداهةً، كما أن سور أي بيتٍ يتبع للبيت، وبالتالي فإن حائط البراق هو وقفٌ إسلاميٌ، بالإضافة إلى أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد شرَّفَ هذا الحائط بأن ربط دابة البراق بهذا السور... فحائط البراق يخصُّ المسلمين وحدهم في أرجاء المعمورة إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها، ولا نُقرُّ ولا نعترفُ بأي ملكيةٍ لليهود بهذا الحائط، بالإضافة إلى أنه لا يوجد حجرٌ في هذا الحائط له صلةٌ بالتاريخ العبري، وإن وضع اليد من قبل السلطات الاسرائيلية عليه هو تصرفٌ احتلاليٌ، لا يعطيها الصفة الشرعية مهما طال الزمان... كما لا يجوز شرعاً استخدام تسمية حائط المبكى على حائط البراق، فهي تسميةٌ دخيلةٌ، ولها دلالاتٌ غير مشروعةٍ، وعلى المسلمين جميعاً وعلى أجهزة الإعلام الالتزام بالتسمية المشروعة، ألا وهي حائط البراق].
وكان مفتي الديار المصرية السابق الشيخ نصر فريد واصل قد أفتى بأن الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك ملكٌ للمسلمين، وتحرمُ تسميتهُ بحائط المبكى، وأوضح أن حائط البراق هو جزءٌ من السور الغربي للمسجد الأقصى المبارك.
وقد أقرت هذا الحق اللجنةُ الدولية التي جاءت إلى القدس سنة1930م وهي لجنةٌ دولية شكلتها عصبة الأمم، للنظر في النزاع القائم بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود بشأن حائط البراق، الذي يُشكل جزءً من الحائط الغربي للمسجد الأقصى المبارك. وتألفت اللجنة من ثلاثة أعضاء من السويد وسويسرا وإندونيسيا، واستمعت إلى شهادة 52 شاهداً من الجانبين، وحصلت على 61 وثيقةٍ تمثل وجهتي نظر الطرفين. ووضعت اللجنة تقريرها، وحاز موافقة الحكومة البريطانية وعصبة الأمم، ليصبح بذلك وثيقةً دوليةً تؤكد حق الشعب الفلسطيني في حائط البراق،
وأهم ما خلصت إليه اللجنة من نتائج:
[(1) إن ملكية الحائط الغربي تعود إلى المسلمين وحدهم، ولهم فقط، الحق العيني فيه، وينطبق ذلك بالمثل على الرصيف المجاور له.
(2)إن أدوات العبادة وغيرها من الأدوات التي يحق لليهود وضعها بالقرب من الحائط -استناداً إلى تقرير اللجنة أو بالاتفاق بين الطرفين- لا يجوز بأية حالٍ من الأحوال أن يكون من شأنها إثبات أي حقٍ عيني لليهود في الحائط، أو في الرصيف المجاور له.
(3)إن الحائط نفسه لكونه جزءً لا يتجزأ من الحرم الشريف هو وقفٌ بلا ريب. وإذا أخذنا بعين الاعتبار المعلومات التي زودنا بها فريق المسلمين بشأن الوقف والمستندة إلى أحكام الشرع الإسلامي، يكون الرصيف الكائن أمام الحائط من نفس المرتبة كوقف محلة المغاربة].
ثالثاً: إذا تقرر أن حائط البراق جزءٌ من المسجد الأقصى المبارك، فلا يجوز شرعاً أن يُسمح لليهود أو لغيرهم من غير المسلمين بإقامة طقوسهم الدينية فيه، حتى لو كان تحت سلطة المسلمين، فالمساجد لله عز وجل ولا يُعبد فيها إلا الله سبحانه وتعالى، والمسلمون فقط هم أهل ذلك، فهم الموحدون دون غيرهم، فلا يُسمح أن تقام الطقوس الشركية في بيوت الله عز وجل، ولا يسمح بعبادة غير الله في مساجد الله، وقد قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [سورة الجن الآية18]،
وقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [سورة النور الآية 36]،
وقال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [سورة البقرة الآية 125].
وقد صح في الحديث « » (رواه البخاري ومسلم).
وقال الإمام الأوزاعي: [كتب عمرُ بن عبد العزيز رضي الله عنه: أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين] شرح السير الكبير1/96.
وقال الشيخ ولي الله الدهلوي: [لا ريب أن مواطن العبادة المعدة للمسلمين ينبغي تنزيهها من أردان المشركين، فهم لا يتطهرون من جنابة، ولا يغتسلون من نجاسة، فإن كان تلويثهم لمساجد المسلمين بالنجاسات، أو استهزائهم بالعبادة مظنوناً، فذلك مفسدة، وكل مفسدةٍ ممنوعةٌ، ما لم يعارضها مظِنةُ إسلام من دخل منهم المسجد، لما يسمعه ويراه من المسلمين، فإن تلك المفسدة مغتفرة بجنب هذه المصلحة التي لا يقدّر قدرها] الروضة الندية3/496،
فالمساجد بيوتٌ لعبادة الله من المسلمين الموحدين، ويحرم شرعاً على غير المسلمين إقامةُ طقوسهم الدينية فيها. وينبغي أن يُعلم أنه لا يصح الخلطُ بين جواز دخول غير المسلمين للمساجد لحاجةٍ، وبإذن المسلمين، وبين إقامة طقوسهم الدينية فيها، فشتان بين الأمرين.
قال العلامة ابن القيم: [وأما دخول الكفار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فكان ذلك لما كان بالمسلمين حاجةٌ إلى ذلك، ولأنهم كانوا يخاطبون النبي صلى الله عليه وسلم في عهودهم، ويؤدون إليه الرسائل، ويحملون منه الأجوبة، ويسمعون منه الدعوة، ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ليخرج من المسجد، لكل من قصده من الكفار، فكانت المصلحة في دخولهم إذ ذاك، أعظم من المفسدة التي فيه... وأما الآن فلا مصلحة للمسلمين في دخولهم مساجدهم والجلوس فيها، فإن دعت إلى ذلك مصلحةٌ راجحةٌ جاز دخولها بلا إذن] أحكام أهل الذمة1/407-408.
رابعاً: لا شك أن التفريق بين العبادة والسياسة، أمرٌ جدُّ خطيرٍ، وهي فكرةٌ علمانيةٌ خبيثةٌ، لا يقرها الإسلامُ بحالٍ من الأحوال، فدينُ الإسلام شاملٌ لأمور الآخرة والدنيا، فكما أن العبادات جزءٌ من الإسلام، فكذا النظام السياسي وما يتعلق به جزءٌ من الإسلام، ولا يصح أن نرجع في عبادتنا للإسلام، ولا نرجع إليه في السياسة، فالإسلام شاملٌ كاملٌ، وهو منهاج حياة للأمة الإسلامية في كل شؤونها، فالسياسةُ جزءٌ من الدين، والدينُ حاكمٌ عليها، فالإسلامُ دينٌ ودولةٌ، عقيدةٌ وشريعةٌ، فهو منهجٌ متكاملٌ للحياة من حيث التصور، ومن حيث التصرف، يضبط العلاقة بين الناس على اختلاف توجهاتهم، كما يضبط العلاقة بينهم وبين ربهم. قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ} [سورة المائدة الآية 48]،
وقال تعالى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأعراف الآية54].
وخلاصة الأمر أن:
المسجد الأقصى المبارك يعني جميع ما أحاط به سور المسجد الأقصى المبارك، ويشمل ذلك كل ساحاته ومرافقه وقبابه ومسجد قبة الصخرة وجدرانه الداخلية والخارجية بما فيها حائط البراق، ويشمل أيضاً ما كان تحت أرض المسجد وفوقها.
وأن مكانة المسجد الأقصى المبارك عظيمةٌ عندنا أمةَ الإسلام، وهو مرتبطٌ بمعجزة الإسراء والمعراج الخالدة في عقيدتنا الإسلامية.
وأن حائطَ البراق جزءٌ لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك، فهو الجدارُ الغربي له،
وأن حقَ المسلمين في حائط البراق ثابتٌ شرعاً وتاريخاً وقانوناً، وأقرت هذا الحق اللجنةُ الدوليةُ التي شكلتها عصبةُ الأمم سنة1930م حيث قررت أن ملكية حائط البراق والرصيف المجاور له تعود إلى المسلمين وحدهم.
وأنه لا يجوز شرعاً أن يُسمح لليهود أو لغيرهم من غير المسلمين بإقامة طقوسهم الدينية فيه، حتى لو كان تحت سلطة المسلمين.
وأن التفريق بين العبادة والسياسة، أو الدين والسياسة، فكرةٌ علمانيةٌ خبيثةٌ، لا يقرها الإسلامُ بحالٍ من الأحوال، فالإسلامُ شاملٌ لأمور الآخرة والدنيا، فالعبادات جزءٌ من الإسلام، والنظامُ السياسي جزءٌ من الإسلام، فالإسلامُ منهاجُ حياة للأمة الإسلامية في جميع شؤونها.
والله الهادي إلى سواء السبيل.