امرأة يكسب زوجها من الحرام
أحمد حطيبة
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
امرأة مجرية مسلمة زوجها يعمل أعمالا محرمة ومكسبه كله حرام فما حكم أكل المرأة من مال زوجها مع العلم أنها ليس لها أي دخل آخر وإذا لم تأخذ من مال زوجها فلن تجد من ينفق عليها.
إِنْ عَلِمَتِ الزَّوْجَةُ أَنَّ مَا يُنْفِقُهُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا مِنْ الْمَالِ حَرَامٌ بِعَيْنِهِ كَأَنْ يَكُونَ مَسْرُوقًا أَوْ مَغْصُوبًا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ وَلاَ يَلْزَمُهَا طَلَبُ مُفَارَقَةِ الزَّوْجِ إن كَانَتْ تَقْدِرُ أَنْ تُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ حَلالٍ، وَإِلاَّ فَلَهَا طَلَبُ الْفِرَاقِ، وَإِنْ كَانَ كَسْبُهُ مِنْ عَمَلٍ مُحَرَّمٍ كَمَنْ يَعْمَلُ بِوَظِيْفَةٍ مُحَرَّمَةٍ فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ بِقَدْرِ نَفَقَتِهَا الَّتِي تَحْتَاجُهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَأْمُرَهُ بِتَقْوَى اللهِ وَالْبَحْثِ عَنِ الْحَلاَلِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْحَرَامِ. .
قاَلَ الْخَطِيْبُ الشِّرْبِيْنِي الشَّافِعِيُّ فِي "مُغْنِي الْمُحْتَاجِ": قاَلَ النَّوَوِيِّ يَلْزَمُ الزَّوْجَ الْكَسْبُ لِلإِنْفَاقِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُهُ لِنَفَقَةِ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى تَكَسُّبِ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ لَزِمَهُ تَعَاطِيهِ، وَمَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى كَسْبٍ حَلالٍ. أَمَّا إذَا كَانَ الْكَسْبُ بِأَعْيَانٍ مُحَرَّمَةٍ كَبَيْعِ الْخَمْرِ أَوْ كَانَ الْفِعْلُ الْمُوَصِّلُ لِلْكَسْبِ مُحَرَّمًا كَكَسْبِ الْمُنَجِّمِ وَالْكَاهِنِ فَهُوَ كَالْعَدَمِ، (وَإِنْ خَالَفَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي) وَإِنَّمَا يُفْسَخُ (لِلزَّوْجَةِ النِّكَاحُ) بِعَجْزِهِ (أَيْ الزَّوْج) عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ حَاضِرَةٍ; لأَنَّ الضَّرَرَ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَةِ مُوسِرٍ أَوْ مُتَوَسِّطٍ لَمْ يَنْفَسِخْ; لأَنَّ نَفَقَتَهُ الآنَ نَفَقَةُ مُعْسِرٍ فَلا يَصِيرُ الزَّائِدُ دَيْنًا عَلَيْهِ، بِخِلافِ الْمُوسِرِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ إذَا أَنْفَقَ مُدًّا فَإِنَّهَا لا تُفْسَخُ وَيَصِيرُ الْبَاقَّيْ دَيْنًا عَلَيْهِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْعَدَوِيُّ الصَّعِيْدِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي تَعْلِيْقَاتِهِ عَلَى "حَاشِيَةِ الدُّسُوقِي عَلَى الشَّرْحِ الْكَبِيْرِ ":(بَابٌ فِي النِّكَاحِ) (قَوْلُهُ: فَالرَّاغِبُ إنْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الزِّنَا) أَيْ إذَا لَمْ يَتَزَوَّجْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدَّى إلَى الإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مِنْ حَرَامٍ) أَيْ أَوْ أَدَّى إلَى عَدَمِ الإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ إعْلامِهَا بِذَلِكَ ا هـ خرشي. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ أَدَّى إلَى الإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مِنْ حَرَامٍ هَذَا رُبَّمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ يَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ وَكَانَ يَضُرُّ بِالْمَرْأَةِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ عَلَى النَّفَقَةِ أَوْ كَانَ يَكْتَسِبُ فِي مَوْضِعٍ لا يَحِلُّ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ وَجَبَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ، وَلَوْ أَدَّى لِضَرَرِ الزَّوْجَةِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا، أَوْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ حَرَامٍ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّامِلِ وَمُنِعَ لِضَرَرٍ بِامْرَأَةٍ لِعَدَمِ وَطْءٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ تَكَسُّبٍ بِمُحَرَّمٍ وَلَمْ يَخَفْ عَنَتًا ا هـ.
وَلَكِنْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ رَحَّالٍ بِأَنَّ الْخَائِفَ مِنْ الْعَنَتِ مُكَلَّفٌ بِتَرْكِ الزِّنَا ; لأَنَّهُ فِي طَوْقِهِ كَمَا هُوَ مُكَلَّفٌ بِتَرْكِ التَّزَوُّجِ الْحَرَامِ فَلا يَحِلُّ فِعْلُ مُحَرَّمٍ لِدَفْعِ مُحَرَّمٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لا يَحِلُّ مُحَرَّمٌ لِدَفْعِ مُحَرَّمٍ ; لأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِتَرْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَحِينَئِذٍ فَلا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إذَا خَافَ الزِّنَا وَجَبَ النِّكَاحُ وَلَوْ أَدَّى لِلإِنْفَاقِ مِنْ حَرَامٍ، وَقَدْ يُقَالُ: إذَا اسْتَحْكَمَ الأَمْرُ فَالْقَاعِدَةُ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ حَيْثُ بَلَغَ الإِلْجَاءُ.
(قَوْلُهُ: إلاَّ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى حَرَامٍ) كَأَنْ يَضُرَّ بِالْمَرْأَةِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ أَوْ التَّكَسُّبِ مِنْ حَرَامٍ أَوْ تَأْخِيرِ الصَّلاةِ عَنْ أَوْقَاتِهَا ِاشْتِغَالِهِ بِتَحْصِيلِ نَفَقَتِهَا.
(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى حَرَامٍ وَإِلاَّ حَرُمَ) عُلِمَ مِمَّا قَالَهُ أَنَّ الرَّاغِبَ لَهُ تَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَتَارَةً يَكُونُ مَنْدُوبًا وَتَارَةً يَكُونُ حَرَامًا عَلَيْهِ، وَأَمَّا غَيْرُ الرَّاغِبِ لَهُ فَهُوَ إمَّا مَكْرُوهٌ فِي حَقِّهِ أَوْ حَرَامٌ أَوْ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ.
(قَوْلُهُ: وَإِلاَّ حَرُمَ) يُقَيَّدُ الْمَنْعُ بِمَا إذَا لَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ بِعَجْزِهِ عَنْ الْوَطْءِ وَإِلاَّ جَازَ النِّكَاحُ إنْ رَضِيَتْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَشِيدَةً وَكَذَلِكَ الرَّشِيدَةُ فِي الإِنْفَاقِ، وَأَمَّا الإِنْفَاقُ مِنْ كَسْبٍ حَرَامٍ فَلا يَجُوزُ مَعَهُ النِّكَاحُ، وَإِنْ عَلِمَتْ بِذَلِكَ قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيُّ ا هـ.
وَقَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورُ بْنُ يُوْنُسَ الْبُهُوتِيُّ الْحَنْبَلِيُّ فِي "كَشْفِ الْقِنَاعِ عَنْ مَتْنِ الإِقْنَاعِ":
(وَإِنْ أَعْسَرَ بِنَفَقَتِهَا فَبَذَلَهَا غَيْرُهُ لَمْ تُجْبَرْ) عَلَى قَبُولِهَا مِنْ غَيْرِهِ لِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْمِنَّةِ (إلاَّ إنْ مَلَكَهَا الزَّوْجُ) ثُمَّ دَفَعَهَا الزَّوْجُ لَهَا (أَوْ دَفَعَهَا) إلَيْهَا (وَكِيلُهُ) فَإِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ مِنْهُ لأَنَّ الْمِنَّةَ إذَنْ عَلَى الزَّوْجِ دُونَهَا (وَكَذَا مَنْ أَرَادَ قَضَاءَ دَيْنٍ عَنْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَقْبَلْ رَبُّهُ) أَيْ الدَّيْنَ وَلا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ مِنْ الْمُتَبَرِّعِ، وَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِ لِلْمَدِينِ ثُمَّ دَفَعَهُ الْمَدِينُ أَوْ وَكِيلُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ أُجْبِرَ (وَتَقَدَّمَ فِي السَّلَمِ إنْ أَتَاهَا) الزَّوْجُ (بِنَفَقَةٍ حَرَامٍ لَمْ يَلْزَمْهَا قَبُولُهَا) بَلْ لَمْ يَجُزْ لَهَا تَنَاوُلُهَا (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي الْمُكَاتَبِ وَيُجْبَرُ قَادِرٌ عَلَى التَّكَسُّبِ) لِيُؤَدِّيَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ.
وَفِي الْحَاشِيَتَيْنِ لِقَلْيُوبِي وَعَمِيْرَةَ عَلَى "شَرْحِ الْمِنْهَاجِ":
فَرْعٌ: الْكَسْبُ الْحَرَامُ كَالْعَدَمِ لَكِنْ لَوْ كَانَ يَكْسِبُ بِصَنْعَةِ الْمَلاهِي مَثَلاً لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُسَمَّى وَلَكِنَّ لَهُ الأُجْرَةَ عَلَى تَفْوِيتِ عَمَلِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِكَلامِ الأَصْحَابِ ا هـ.
قاَلَ الْمَاوَرْدِيَّ وَالرُّويَانِيَّ: وَكَسْبُ الْمُنَجِّمِ وَالْكَاهِنِ قَدْ بُذِلَ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَلْيُلْتَحَقْ بِالْهِبَةِ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي "الفَتَاوَى الكُبْرَى":
وَمَنْ كَسَبَ مَالاً حَرَامًا بِرِضَاءِ الدَّافِعِ ثُمَّ مَاتَ كَثَمَنِ الْخَمْرِ وَمَهْرِ الْبَغْيِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمْ التَّحْرِيمَ ثُمَّ عَلِمَ جَازَ لَهُ أَكْلُهُ، وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ أَوَّلاً ثُمَّ تَابَ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي حَامِلِ الْخَمْرِ، وَلِلْفَقِيرِ أَكْلُهُ وَلِوَلِيِّ الأَمْرِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَعْوَانَهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فَقِيرًا أَخَذَ كِفَايَتَهُ، وَفِيمَا إذَا عَرَفَ رَبَّهُ هَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَيْهِ أَمْ لا قَوْلانِ.