قضاء الصلاة
حسام الدين عفانه
- التصنيفات: فقه الصلاة -
كنت تاركاً للصلاة عدة سنوات ثم تبت ورجعت إلى الصلاة فماذا أصنع في صلوات تلك السنين هل أقضيها أم لا؟
الحمد الله الذي هداك إلى طريق الحق والصواب وأخرجك من الظلمات إلى النور، وسأبين حكم تارك الصلاة أولاً ثم أجيب على السؤال، فأقول: إن الصلاة عمود الدين وهي ركن من أركان الإسلام ولا خلاف بين علماء المسلمين في كفر تارك الصلاة جحوداً وإنكاراً لها. وأما تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً فقد اختلف الفقهاء في حكمه: فيرى الإمام أحمد في أصح الروايات عنه أن تاركها كسلاً وتهاوناً كافر خارج من ملة الإسلام ينبغي قتله إن لم يتب ويرجع إلى الإسلام واحتج الإمام أحمد ومن تبعه على ذلك بأدلة كثيرة منها:
1. قوله سبحانه تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} ففي هذه الآية إشارة إلى أن الكفار هم الذين لا يصلون.
2. وقال سبحانه وتعـالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}.
3. قوله سبحانه وتعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}.
4. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم).
5. وقولـه صلى الله عليه وسلم: « » (رواه أصحاب السنن الربعة وأحمد وهو حديث صحيح).
6. وما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الصلاة يوماً فقال: « » (رواه بن حبان بسند صحيح رواه أحمد ورجال أحمد ثقات كما قال الهيثمي).
وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم كفر تارك الصلاة تهاوناً بل هو فاسق يقتل حداً عند الإمامين مالك والشافعي.
وأما الحنفية فقالوا إنه يحبس ويضرب ضرباً شديداً حتى يصلي ويتوب أو يبقى مسجوناً حتى يموت واحتجوا بأدلة كثيرة منها:
1. قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}.
2. قول الرسول صلى الله عليه وسلم: « » (متفق عليه).
3. عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (متفق عليه).
4. عن أن أنس أيضـاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ومعاذ رديفه على الـرحل: « » (متفق عليه).
5. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه البخاري).
6. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « » (رواه أحمد وابن حبان وهو حديث صحيح. وغير ذلك من الأدلة).
وعلى كل حال فلا يخفى على المسلم إذا امعن النظر أن تارك الصلاة على خطر عظيم بين الكفر والفسق والعياذ بالله.
نعود الآن إلى أصل السؤال حول قضاء الصلاة لمن تركها تهاوناً وتكاسلاً، إن من يرى أن تارك الصلاة تهاوناً كافر لا يطالبه بقضاء ما فاته من الصلوات إذا رجع وتاب لأنه رجع إلى الإسلام من جديد، وهذا قول الحنابلة.
وأما جمهور الفقهاء: فيرون أن عليه قضاء ما فاته من الصلوات مع كونه آثماً ومذنباً ذنباً عظيماً لتركه لها وتأخيرها عن وقتها فيقضي ما فاته منها حسب ما يتيسر له فلا يشترط الترتيب فيها لأن في ذلك نوعاً من الحرج فيقضي حتى يغلب على ظنه أنه قد قضى ما عليه من الفوائت.
ولا بد من تذكير السائل هنا بأن التوبة الصادقة لا بد لها من شروط ثلاثة:
أولها: الإقلاع عن المعصية فلا توبة مع مباشرة الذنب واستمرار الوقوع في المعصية.
ثانيها: الندم على ما مضى وفات فمن لم يندم على ما صدر عنه من المعاصي والآثام فلا توبة له لأن عدم ندمه يدل على رضاه بما كان منه وإصراره عليه.
ثالثها: أن يعزم على عدم العودة إلى المعصية مستقبلاً وهذا العزم ينبغي أن يكون مؤكداً قوياً وعلى التائب أن يكثر من فعل الخيرات ليكسب الحسنات {فإن الحسنات يذهبن السيئات}.