حكم الرضعة والرَّشفة والمصة في الرضاع
أرْضعتُ بنتَ خالتي عند زيارتي لهم حتَّى شبِعت، وقيل لي: إنَّ الرَّضعة تعني الرَّشْفة أو المصَّة، وأنَّها طالَما شبِعَتْ فهي رشفتْ أكْثر من خَمس مرَّات، فقد أصبحتْ ابْنَتِي من الرَّضاعة، أرْجو توْضيح الأمر، وجزاكم الله الجنَّة.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقدِ اختلف العُلماءُ في القدْر المحرِّم من الرَّضاع، والرَّاجح هو ما ذهب إليْه الشَّافعيَّة والحنابلة؛ من أنَّ التَّحريم لا يكون إلا بِخَمس رضَعات مشبِعات في الحولَين، والمقْصود بالشِّبع هو تحقُّق حصول الخمس رضعات، وقد سبق تفصيلُ ذلك في فتوى: "التحريم بالرضاع"، فلتُرَاجع.
أمَّا المعتمَد في ضبْط الرَّضعة، فهُو العُرف؛ إذْ لا ضابطَ لها في اللُّغة ولا في الشَّرع، وما كان كذلِك فضبطُه يكون بالعرْف، وممَّا عدَّه الفُقهاء رضعةً عرفًا: أن يلتقِم الصَّبيُّ الثَّدْي ويَمتصَّه ثم يتركه معرِضًا عنه، وأنَّه لو كرَّر ذلك خَمس مرَّات في مجلسٍ واحدٍ، فقد تمَّت الرَّضاعة المحرِّمة.
قال في "المغني" في باب "الرَّضاع": "المسألة الأولى: أنَّ الذي يتعلَّق به التَّحريم خمس رضَعات فصاعدًا، هذا الصَّحيح من المذهب، قال: وهو مذهب الشافعي، ثم قال: والمرجِع في معرفة الرَّضعة إلى العرْف؛ لأنَّ الشَّرع ورد بها مطلقًا ولَم يُحدِّدْها بزمنٍ ولا مِقْدار، فدلَّ ذلك على أنَّه ردَّهم إلى العرْف، فإذا ارْتضع الصبيُّ وقطع قطعًا بيِّنًا باختِياره، كان ذلك رضعةً، فإن عاد، كانت رضعة أُخْرى.
فأمَّا إن قطع لِضِيقِ نفَسٍ، أَو للانتقال من ثدْيٍ، أو لشيءٍ يُلْهِيه، أو قطعتْ عليه المرضعة، فإن لم يعُدْ قريبًا، فهي رضعة، وإن عاد في الحال، ففيه الوجْهان، أحدُهُما: أنَّ الأوَّل رضعةٌ، فإذا عاد فهي رضعةٌ أُخرى، قال: والوجْه الثَّاني: أنَّ جَميع ذلك رضعةٌ، وهو قول الشافعي". اهـ.
وقال أبو محمَّد بن حزْم في "المحلى": "مسْألةٌ: ولا يُحرِّمُ مِن الرَّضاعِ إلا خَمْسُ رَضَعاتٍ، تُقْطَعُ كُلُّ رَضْعةٍ من الأُخْرى، أوْ خَمْسُ مَصَّاتٍ مُفْتَرِقاتٍ كذلِكَ، أو خَمْسٌ ما بَيْنَ مَصَّةٍ ورَضْعةٍ، تُقطَعُ كُلُّ وَاحِدَةٍ من الأُخْرى، هذا إذا كَانَت المصَّةُ تُغْنِي شَيْئًا من دَفْعِ الجُوعِ، وإلاَّ فلَيْسَتْ شَيْئًا، ولا تُحرِّمُ شَيْئًا". اهـ.
قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين في "شرح كتاب التسهيل في الفقه": "واختُلِف في الرَّضعة، فقيل: إنَّ الرَّضعة هي المصَّة، إذا وضعَه في فمِه، ومصَّه مصَّة واحدة، بِحيثُ إنَّه حصل منه على شيءٍ يسير ثُمَّ ابتلعه، عُدَّت رضعة، وإذا مصَّه ثمَّ ابتلع رضْعةً ثانية إلى خمس، وقيل: إنَّ الرَّضعة هي إمْساك الثَّدي ثمَّ تركه؛ أي: يُمْسِكه ثم يمصُّه ويمصُّه إلى أن يترُكَه أو يُنْتَزع منه، سواءٌ بقي في فمِه خمس ثوان، أو بقي مثلاً نصف ساعة وهو يمتصُّه، تكون رضعةً واحدة، طالتْ مدَّة الامتِصاص أو قصُرت، وهذا هو الذي عليه الفتوى".
وعليه؛ فإنْ كانت ابنة خالتِك التقمتِ الثَّدي وارْتَضعتْه مرَّة واحدة حتَّى شبِعَتْ، فهي رضعة واحدة لا تنشُر الحرْمة، ولا تُعْتَبر بِهذا ابنتَك من الرَّضاعة؛ فقد ورد في حديثِ مسلم: « »، وفى رواية: « »، وفي رواية: « »، قال في التَّمهيد: "الإملاجة: الرَّضْعة، وقيل: المصَّة".
وأمَّا إن التقمتِ الثَّدي ومصَّتْه، ثمَّ تركتْه، ثمَّ أخذته مرة ثانية ومصته، وهكذا إلى خَمس مرَّات في نفس الموضع - فهِي خَمْسُ رضَعات مستقلاَّت تُفيد أنَّ المُرْضِعة صارتْ أُمًّا لِمرْضِعتها.
فيُشترط في الرَّضاع تحقُّق الرَّضعات الخمْس، أمَّا أن يمصَّ الطِّفْل اللَّبن، بِحَيثُ يَملأ فمَه خَمس مرَّات، من غير أن يترُك الثَّدي بعد كلِّ واحدةٍ راغبًا عنْه - فلا يعتبر ذلك رضعةً، ولا تثبت به الحُرْمة إلا عند مالكٍ ومَن وافقه.
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: