الضرورة التي تبيح العمل في الربا
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: فتاوى وأحكام - الربا والفوائد -
هل يَجوز لي الزَّواج بشخص يعمل في بنكٍ رِبَوي، علمًا أنَّه لا توجد عندنا إلا بنوك ربويَّة؟
لكن هو بحث عن عملٍ لمدَّة 3 سنوات ولم ينجح، وكان ضروريًّا أن يقبل العمل في البنك؛ لأنَّ كلَّ عمل يذهب إليه يطلبون الخبرة، وليست لديْه خبرة، وهو وحيدٌ ليس لديْه أخ ولا أخت، وأبوه ميِّت وهو بِحاجة للعمل للصرف على أمه، ولكيْ نستطيع نَحن الزَّواج، وأنا متعلِّقة به، هو خطيبي منذ 6 سنوات، فما رأيكم؟ والضَّرورات تبيح المحظورات، فما حكمي؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن الرِّبا من أكبر الكبائر، وأفظع الجرائم التي توعَّد الله آكلَه بالمحق، وذهاب البركة، وإعلان الحرب مع جبار السماوات والأرض؛ قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279]، وهذا العذاب يلحق أيضًا كلَّ من تعاون على الربا؛ فعن أبي جحيفة قال: "لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - الواشمة والمستوشمة، وآكلَ الربا وموكله"؛ رواه البخاري، وروى مسلم عن ابن مسعود: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا ومؤكله"، قال: "قلت: وكاتبه وشاهدَيه".
ولكن إن كان الإنسان مضطرًّا، ولَم يجد وسيلةً يدفع بِها هذا الاضطرار إلا العمل في هذه البنوك، فإنَّه - والحالة هذه - يَجوز له العمل فيها إلى أن تزول عنْه حالة الاضْطرار؛ لكن بشرط الاستِمْرار في البحث عن عملٍ آخَر حلال.
قال الله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:173]؛ أي: في غير بغي ولا عدوان، وهو مجاوزة الحد؛ وقال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ} [الأنعام:119]، قال القرطبي: "يريد من جميع ما حرم كالميتة وغيرها"، وقال ابن كثير: "قد بَيَّن لكم ما حَرَّم عليكم ووضحه إلا في حال الاضطرار؛ فإنه يباح لكم ما وجدتم". اهـ، مختصرًا.
ومن القواعد الأصولية: "أنه لا محرَّم مع الضرورة، ولا واجب مع العجز"، فمن أشرف على الهلاك، ولم يجد سبيلاً لإطعام نفسه إلا بالربا، أو كان في حرج وضائقة، كأن لم يجد لباسًا يكسو بدنه، أو مسكنًا يُؤْويه، ولا يمكنه دفعه إلا بالربا جاز له.
أما حدُّ الضرورة، فهو ما يغلب على الظن وقوع المرء بسببه في الهلكة، أو أن تلحقه من جرائه مشقة غير محتملة، والضرورة تقدَّر بقدرها، فيتناول من الحرام ما تدفع به الضرورة، وحيث زالت الضرورة أو وجد ما يغني عنها، فلا يجوز التعامل بالربا، ويعود الأمر إلى التحريم القاطع؛ قال السيوطي: "الضرورة هي بلوغه حدًّا، إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب، وهذا يبيح تناول الحرام، وقال: والحاجة كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكله، لم يهلك، غير أنه يكون في جهد ومشقة؛ وهذا لا يبيح الحرام". اهـ
وعلى هذا؛ فإنْ كان خطيبُكِ مضطرًّا للعمل في هذا البنك، ولم يَجد عملاً غيره، سواء في وظيفة، أو بيع وشراء أو غير ذلك من الأعمال مهما كانت محتقرة ما دامت مباحة، واستنفذ جميع السبل المباحة، أو غلب على ظنه الوقوع في الفاحشة إن لم يتزوج، أولم يجد من ينفق على حاجته الأصلية ، فيجوز له العمل في البنك الربوي، حتَّى يتيسَّر له عملٌ آخَر مباح، وإن لم يكن مضطرًّا للعمل في البنك المذكور، كأن تتوفَّر له طرق للكسْب المشروع ولو كانت لا تناسب طموحه أو منزلته - فإنَّه لا يَجوز له العمل فيه، فإن عمل فلا يجوز لكِ الزَّواج منه؛ لما في ذلك من أكل الحرام والرضا به؛ ففي الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: « ؛ {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، ».
والله أعلم.