وجوب الزكاة في العسل

منذ 2014-05-07
السؤال:

أرجو توضيح مسألة الزكاة في العسل، وإن كان فيه زكاة فما نصاب الزكاة فيه؟

الإجابة:

العسل من الطيبات التي امتن الله بها على عباده قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة النحل الآيتان 68-69].

وقد اختلف العلماء قديماً في زكاة العسل. وأرجح قولي العلماء في ذلك، قول من أوجب الزكاة في العسل، وهو قول الحنفية والحنابلة. قال الإمام الترمذي بعد أن ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في العسل كل عشرة أزق زق» قال الترمذي: [… والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحق وقال بعض أهل العلم ليس في العسل شيء] سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 3/217-218.

وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ومذهب أحمد أن في العسل العُشر. قال الأثرم سئل أبو عبد الله: أنت تذهب إلى أن في العسل زكاة؟ قال: نعم أذهب إلى أن في العسل زكاةً العُشر قد أخذ عمر منهم الزكاة. قلت: ذلك على أنهم تطوعوا به؟ قال: لا بل أخذه منهم ويروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري وسليمان بن موسى والأوزاعي واسحق] المغني 3/20.

ومما يدل على ترجيح القول بوجوب الزكاة في العسل الأدلة العامة الواردة في وجوب الزكاة في الأموال ومنها قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [سورة التوبة الآية 103]. وقوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [سورة الذاريات الآية 19] .  وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [سورة البقرة الآية 267].

وغير ذلك من الأدلة العامة التي توجب الزكاة في الأموال، ولا شك أن العسل مال. ومن المعروف اليوم أن هنالك مزارع خاصة لإنتاج العسل وتدر دخلاً كبيراً على أصحابها.

وقد وردت أدلة خاصة في زكاة العسل ولكنها محل خلاف عند أهل العلم فمن ذلك:

ما رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له وكان سأله أن يحمي وادياً يقال له سلبة فحمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي فلما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب سفيان بن وهب إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ذلك فكتب عمر:  إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله فاحم له سلبة وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله متى يشاء) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 4/341-342. وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/302.

وفي رواية أخرى عند أبي داود قال: [من كل عشر قرب قربة وقال سفيان بن عبد الله الثقفي قال: وكان يحمي لهم واديين. زاد: فأدوا إليه ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمى لهم وادييهم] سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 4/342. وحسنه الألباني أيضاً في صحيح سنن أبي داود 1/302.

وروى الترمذي بإسناده عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في العسل في كل عشرة أزق زق» وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/196.

وروى ابن ماجة بإسناده عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم انه أخذ من العسل العُشر. وقال الشيخ الألباني حسن صحيح. صحيح سنن ابن ماجة 1/306. وانظر إرواء الغليل 3/384-387.

ووردت آثار عن الصحابة والتابعين في وجوب الزكاة في العسل منها:

ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن عمرو بن شعيب أن أمير الطائف كتب إلى عمر بن الخطاب أن أهل العسل منعونا ما كانوا يعطون من كان قبلنا قال: فكتب إليه إن أعطوك ما كانوا يعطون رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحمِ لهم وإلا فلا تحمها لهم قال: وزعم عمرو بن شعيب أنهم كانوا يعطون من كل عشر قرب قربة. وما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن عطاء الخراساني عن عمر قال: في العسل عُشر.

وما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن الحارث بن عبد الرحمن عن منير بن عبد الله عن أبيه عن سعد بن أبي ذباب أنه قدم على قومه فقال لهم: في العسل زكاة فإنه لا خير في مال لا يزكى قال قالوا: فكم ترى قلت العُشر فأخذ منهم العُشر فقدم به على عمر وأخبره بما فيه قال: فأخذه عمر وجعله في صدقات المسلمين. وما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن الزهري قال في العسل العشر] مصنف ابن أبي شيبة 3/141-142.

وروى عبد الرزاق بسنده عن عطاء الخراساني أن عمر أتاه ناس من أهل اليمن فسألوه وادياً فأعطاهم إياه فقالوا: يا أمير المؤمنين إن فيه نحلاً كثيراً قال: فإن عليكم في كل عشرة أفراق فرقاً.

وروى أيضاً بسنده عن أبي هريرة قال: (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن أن يؤخذ من أهل العسل العشور) مصنف عبد الرزاق 4/63.

وقال الحافظ ابن عبد البر: [ذكر إسماعيل بن إسحق… عن الزهري:  أن صدقة العسل العُشر وأن صدقة الزيت مثل ذلك. وممن قال بإيجاب الزكاة في العسل: الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وهو قول ربيعة وابن شهاب ويحيى بن سعيد. إلا أن الكوفيين لا يرون فيه الزكاة إلا أن يكون في أرض العُشر دون أرض الخراج.  وروى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن في العسل العُشر. قال وهب وأخبرني عمر بن الحارث عن يحيى بن سعيد وربيعة بمثل ذلك.

قال يحيى: إنه سمع من أدرك يقول: مضت السنة بأن في العسل العُشر. وهو قول ابن وهب] الاستذكار 9/284-286.

وغير ذلك من الأحاديث والآثار انظر نصب الراية 2/390-393. الأموال لأبي عبيد، ص597-599.

وقد قال الموجبون للزكاة في العسل إن هذه الأحاديث والآثار وإن لم تسلم من النقد فبعضها يقوي بعضاً كما أن الأدلة العامة في وجوب الزكاة تؤيدها. قال الشيخ ابن القيم: [وذهب أحمد وأبو حنيفة وجماعة إلى أن في العسل زكاة ورأوا أن هذه الآثار يقوي بعضها بعضاً وقد تعددت مخارجها واختلفت طرقها ومرسلها يعضد بمسندها وقد سئل أبو حاتم الرازي عن عبد الله والد منير عن سعد بن أبي ذباب يصح حديثه؟ قال: نعم.  قال: هؤلاء ولأنه يتولد من نور الشجر والزهر ويكال ويدخر فوجبت فيه الزكاة كالحبوب والثمار] زاد المعاد 2/15. وقال الشوكاني بعد أن ساق بعض الأحاديث الموجبة لزكاة العسل: [وأحاديث الباب يقوي بعضها بعضاً ويشهد بعضها لبعض فينتهض الاحتجاج بها] السيل الجرار 2/48.

وقال العلامة صديق حسن خان بعد أن ساق بعض الأدلة السابقة في وجوب زكاة العسل: [والجميع لا يقصر عن الصلاحية للاحتجاج به] الروضة الندية 1/ 519.

وأما كيفية إخراج زكاة العسل ونصاب ذلك فقد اختلف الموجبون للزكاة في العسل في النصاب اختلافاً كبيراً قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ونصاب العسل عشرة أفراق وهذا قول الزهري، وقال أبو يوسف ومحمد خمسة أوسق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة»، وقال أبو حنيفة: تجب في قليله وكثيره بناء على أصله في الحبوب والثمار] المغني 3/20.

وبعد النظر في أقوال العلماء في تحديد النصاب وأدلتهم أختار ما اختاره الدكتور يوسف القرضاوي ورجحه حيث قال: [والراجح عندي أن يقدر النصاب بقيمة خمسة أوسق (أي 653 كغم أو 50 كيلة مصرية) من أوسط ما يوسق كالقمح باعتباره قوتاً من أوسط الأقوات العالمية وقد جعل الشارع الخمسة الأوسق نصاب الزروع والثمار والعسل مقيس عليهما ولهذا يؤخذ منه العُشر فلنجعل الأوسق هي الأصل في نصابه. واعتبار قيمة الأدنى كالشعير كما قال أبو يوسف –وإن كان فيه رعاية للفقراء– فيه إجحاف بأرباب الأموال واعتبار الأعلى كالزبيب فيه إجحاف بالفقراء واعتبار الوسط هو الأعدل للجانبين] فقه الزكاة 1/428-429.

وخلاصة الأمر أن الزكاة واجبة في العسل وأن النصاب يقدر حسب قيمة خمسة أوسق من القمح وهي تعادل 653 كيلوغرام فإذا بلغ الإنتاج من العسل ما يعادل قيمة 653 كيلوغرام من القمح فيخرج المزكي عشرها. 

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 3
  • 0
  • 18,196

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً