قراءة سعد بن أبي وقاص
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: التجويد وأحكام التلاوة -
أود أن أستفسر عن قراءة سعد بن أبي وقاص: {وله أخ أو أخت من أمه} بزيادة (من أمه) [النساء: 176]، وما مصادر القراءات التي أوردت هذه القراءة مع عزوها؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد قسَّم علماء القراءات القراءة إلى قراءة صحيحة، وقراءة شاذة:
أما القراءة الصحيحة: فهي التي توافرت فيها ثلاثة أركان هي:
- أن توافق وجهًا صحيحًا من وجوه اللغة العربية.
- أن توافق القراءة رسم مصحف عثمان رضي الله عنه.
- أن تُنقل إلينا نقلاً متواترًا، أو بسندٍ صحيح مشهور.
أما القراءة الشاذة: فهي كل قراءة خالفت الرسم العثماني على المعتمد من الأقوال، أو اختل فيها ركن من الأركان الثلاثة المتقدمة.
ويدخل تحت باب القراءات الشاذة ما يسمى بـ "القراءات التفسيرية"، وهي ما زيد في القراءة على وجه التفسير، وهي تُشبه الزيادة المُدرجة في الحديث النبوي، ومثالها ما روي من قراءة سعد بن أبي وقاص قوله تعالى: {وَلَهُ أَخٌ أَو أُخْتٌ مِن أُم} بزيادة لفظ {مِن أُم} للتفسير، وقراءة ابن عباس قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} [الكهف:79-80]؛ حيث قرأها: {وَكَانَ أَمَامَهُم مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا}. وهي بلا شك تُخَالِف الرسم العُثماني
والمقصد من القراءة التفسيرية: تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها؛ كقراءة عائشة وحفصة -رضي الله عنهما- قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] قرأتا الآية: {وَالصَّلاَة الوُسْطَى صَلاَةَ العَصْرِ} وقراءة ابن مسعود قوله تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيهُمَا} [المائدة:38] قرأها: (فاقطعوا أيمانهما) وقراءة جابر قوله تعالى: {فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُوْرٌ رَحِيمٌ} [النور:23]، قرأها: {مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ لَهُنَّ غَفْورٌ رَحِيمٌ}. وكقراءة ابن مسعود (متتابعات).
قال ابن الجزري: "وربما كانوا يدخلون التفسير في القراءة إيضاحًا وبيانًا؛ لأنهم مُحققون لما تلقوه عن النبي قرآنًا، فهم آمنون من الالتباس، وربما كان بعضهم يكتبه معه، وأما من يقول إن بعض الصَّحابة كان يُجِيزُ القِراءة بالمعنى فقد كذب". اهـ.
أما حكم القراءة التفسيرية: فلا تعتبر قُرْآنا؛ لفقدها شرطًا أو أكثر من شُرُوطِ ثُبُوتِهِ، فهي من الآحاد التي فقدت شرط التواتر، فلا يجوز اعتقاد قرآنيتها، كما لا تجوز قراءتها في الصلاة، أو التعبد بتلاوتها، ولا تعليمها على أنها من القرآن، وإنما هي من قبيل التفسير فقط؛ فالصحابة كانوا يفسِّرون القرآن ويرون جواز إثبات التفسير بجانب القرآن؛ فظنها بعض الناس - لتطاول الزمن عليها - من أوجه القراءات التي صحَّت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورواها عنه أصحابه، قال الإمام الطبري في تفسيره: "لا نعلم ذلك صحيحًا من الوجه الذي تصح به الأخبار".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فهذه إذا ثبتت عن بعض الصحابة، فهل يجوز أن يُقرأ بها في الصلاة؟ على قولين للعلماء هما روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد وروايتان عن مالك:
إحداهما: يجوز ذلك؛ لأن الصحابة والتابعين كانوا يقرؤون بهذه الحروف في الصلاة.
والثانية: لا يجوز ذلك، وهو قول أكثر العلماء؛ لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن ثبتت فإنها منسوخة بالعرضة الآخرة؛ فإنه قد ثبت في الصحاح عن عائشة وابن عباس - رضي الله عنهم - أن جبريل - عليه السلام - كان يعارض النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن في كل عام مرة، فلما كان العام الذي قُبِض فيه عارضه به مرتين والعرضة الآخرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره، وهي التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها في المصاحف، وكتبها أبو بكر وعمر في خلافة أبي بكر في صحف أمر زيد بن ثابت بكتابتها، ثم أمر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحف وإرسالها إلى الأمصار، وجمع الناس عليها، باتفاق من الصحابة، عليٌّ وغيره".
أما المصادر التي أوردت هذه القراءة فمنها:
- "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام ت 224هـ.
- "التفسير" من سنن سعيد بن منصور ت 227 هـ.
- "سنن الدارمي" ت 255 هـ.
- "تفسير الطبري" ت 310 هـ.
- "تفسير ابن أبي حاتم" ت 327 هـ.
- "السنن الكبرى" و"معرفة السنن والآثار" كلاهما للبيهقي ت 458 هـ.
- "التمهيد" لابن عبدالبر ت 463 هـ.
ونص الزيادة عن القراءة المشهورة عندهم مختلفة؛ فهي: "لأُمِّهِ" أو "مِنْ أُمِّهِ" أو "مِنْ أُمٍّ" أو "لأُمٍّ".
وفي "الدر المنثور" للسيوطي: "أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والدارمي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن سعد أنه كان يقرأ.... مِنْ أُمٍّ"،، والله أعلم.