إحساس بوعد

منذ 2014-05-11
السؤال:

أنا فتاة جميلة يتقدم لي الكثير من الشباب، ولكني لي أهدافي الخاصة في الحياة، فأنا أفكر دائمًا بأشياء لا تخطر على شباب هذه الأيام؛ مثل الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر الأفكار المسلمة والعلم الشرعي، في إحدى الندوات تعرفت على شابّ داعية متديّن يحمل نفس أفكاري، أحببته في الله وداومت على حضور ندواته، كان دائما كثير النظر إلي وألمَحَ أنه يريد خطبتي، وألمح بانتظاره لحين تحسُّن ظروفه، مرت 3 سنوات وأنا وهذا الشابّ كلٌّ على حاله لم يتزوج أحدٌ منا، وفي كل مرة أحضر ندواته أجد نظراته ووعده بالخطبة على حاله.


ما حُكم انتظار هذا الشابّ علمًا بأنني لا أقابله إلا صدفة حيث يلقي ندواته من حين إلى آخر وأنا محافظة على وعدي الضمني له المفهوم بالإشارة بعيدًا عن أي شبهة أو اتصال أو كلام، علمًا بأن أغلب المتقدمين شبابٌ عادي يحمل الشهادات وعنده الشقة والمال والمركز الاجتماعي، أما في أمر الدين فحالهم حال باقي الشباب. ما حكم هذا الوعد القلبي وما حكم انتظاره؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:

فلا شك أن الوفاء بالوعد أمر محمود، وأن إخلافه مذموم، لكنه -كما قال أكثر أهل العلم-: لا يلزم الوفاء به، ولا سيما إذا منع من الوفاء به مانعٌ مُعْتَبَر، ومن المعلوم أن الخِطبة ليست عقدًا ملزِمًا؛ فمن حق الخاطب أن يفسخ الخطبة متى شاء، فمن باب أولى العِدَة بالخطبة.


أما حضوركِ للندوات التي يلقيها ذلك الرجل، ونظرُ كل منكما للآخر، فلا يجوز؛ فممّا لا شكَّ فيه أنّ الشريعة الإسلامية قد أمرت بغضّ البصر، وسدّت كل الأبواب الموصلة إلى الفساد والشر، وحرصت على سلامة الصدور وطهارتها، وأكدت على صفاء القلب وعمارته بحب الله وتوحيده، ولذلك قال سبحانه: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]، وقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31]، وقال عن أكرم النساء وأكرم رجال: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].


وما أحسن قول الشاعر: 

وَأَنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا *** لِقَلْبِكَ   يَوْمًا   أَتْعَبَتْكَ    المَنَاظِرُ
رَأَيْتَ الّذِي لا  كُلُّهُ  أَنْتَ  قَادِرٌ *** عَلَيْهِ وَلا عَنْ بَعْضِهِ  أَنْتَ  صَابِرُ

وكذلك لا ينبغي للمرأة أن تخاطب رجلاً أجنبيًّا عنها إلا لحاجة وبقدرها، وفي حدود الآداب الشرعية.


وكما أننا نحمد لك تمسكك بالدين والالتزام، والحرص على الدعوة، ولكنَّا نتمنى أن يكون الملتزمون قدوة لغيرهم، فالتجاوب مع العواطف له خطورةٌ على مستقبل العلاقة الزوجية إذا حصل الارتباط؛ حيث يتسارعُ الفتور والنفور ليخدش جذر الحياة الأسرية، وإذا لم يحصل الرباط الشرعي كانت تلك الأيام مصدر أحزان وتوترات.


واعلمي أن الفتاة العاقلة هي التي تُقنع نفسها بالحق، وإذا لاحظت ميلَ شابّ إليها دلّته على بيتها وأهلها، ورَفَضَتْ كل علاقة دون علمهم، مع ضرورة الانتباه لخطورة المخالفة الشرعية من نظرةٍ ونحوها، حيث قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].


وأيضًا كان الواجب على هذا الشاب أن يلتزم الأدب الإسلامي مع الفتيات؛ فيغض بصره عنهن، ويجعل بينه وبينهن حائلاً حتى لا تراه النساء فتتعلق به، فضلاً عن أن يشاغل إحداهن، وكان الواجب عليه إذا أراد خِطبتكِ أن يأتي البيوت من أبوابها ويتقدم إلى أسرتكِ، لاسيما وهو الشيخ والقدوة.


ولهذا فقد نص العلماء المعتبرين على أنه من اللازم أن يكون ثمَّ حائل بين الرجال والنساء في أثناء الندات والمحاضرات، وعلى حرمت الاختلاط المذكور؛ لما يفضي إلي من مفاسد، ولمنع الفتن، فكم من امرأة فُتنتْ ورجلٍ تعلق قلبه بالنساء من جرّاء ذلك التساهل.


والذي ننصحك به أن تحرصي على الزواج من صاحب الدين والخلق الحسن، المؤدي للفرائض والمجتنب للكبائر، الذي تقر به عينكِ، فاقبلي بخطبة من يتقدم إليك، ولا تعبئي بذلك الرجل؛ فإنه لم يتقِ الله فيك؛ حيث شغل قلبَكِ بنظراته، ثم تركك كل هذه المدة ترفضين الخُطّاب، فالرجل الذي يحترم دينه، ويخشى الله، ويراعي حرمات المسلمين لا يفعل هذا.


واقطعي العلاقات بهذا الشاب، بالابتعاد عن أماكن وجوده، وانشغلي بما يعود نفعه عليك في الدنيا والآخرة، وكُفّي -أيتها الأخت الكريمة- عن التعلق به، إلا أن يأتي لبيت أهلك ويطلب زواجك؛ فإن الشرع الحنيف لا يجيز أي علاقة بين المرأة ورجل أجنبي عنها خارج نطاق الزواج، وليس في الإسلام ما يعرف بـ"الحب بين الجنسين" خارج الزواج، واقطعي ذهابك لتلك الدروس وتهيئي للخُطّاب، وانكحي صاحب الخلق والدين، وفّقك الله لكل خير، وأصلح حالَكِ ويسّر أمرَكِ،، والله أعلم.

 

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 3
  • 0
  • 6,016

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً