خلوُ الرِجْل من الحقوق التي تورث
حسام الدين عفانه
- التصنيفات: فقه المعاملات -
إنه يسكن في بيتٍ استأجره والدُه منذ مدةٍ، ثم اشترى السائلُ البيتَ من مالكه، وإخوة السائل يطالبونه بحقهم في خلو الرِجْل بحجة أنهم ورثة الخلو عن أبيهم، فما هو الحكم الشرعي في ذلك؟
أولاً: حقيقة خلو الرِجْل: هو تنازل مالك المنفعة، عن ملكيته لها، ضمن الإجارة الصحيحة، بشروطها المعتبرة، وأن تكون مدة الإجارة باقية. انظر “بيان حكم خلو الرِجْل عند الفقهاء” للنغواشي. ومسألةُ خلو الرِجْل من المسائل الشائكة التي خاض فيها العلماء، واختلفوا في حكمها اختلافاً بيناً، وخاصةً أنه لا يوجد فيها نصوصٌ شرعيةٌ، لأنها من المسائل المتأخرة الحدوث.
وعلى كل حالٍ فقد صار خلو الرِجْل معروفاً ومعمولاً به في كثيرٍ من بلاد المسلمين، وهو متعارف عليه في بلادنا وبالذات في بيت المقدس، فخلو الرِجْل جرى به العرف، وتعامل به الناس وأفتى جماعةٌ من فقهاء الحنفية والمالكية المتأخرين بجوازه، فيكون له من قوة الثبوت، قوة الثابت بدليلٍ شرعي، لأن العرف معتبرٌ شرعاً فيما لا يخالف النص، كما هو مذهب كثيرٍ من العلماء، قال العلامة ابن عابدين الحنفي في منظومته:
والعرفُ في الشرع لـــه اعتبــارُ فلذا الحكمُ عليه قد يدارُ
انظر نشر العَرف في بناء بعض الأحكام على العُرف، رسائل العلامة ابن عابدين 2/112.
وقد صدر قرارٌ عن مجمع الفقه الإسلامي بخصوص (بدل الخلو) ورد فيه ما يلي:
أولا: تنقسم صور الاتفاق على بدل الخلو إلى أربع صورٍ هي:
(1)أن يكون الاتفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد.
(2)أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين المالك، وذلك في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها.
(3)أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين مستأجرٍ جديدٍ، في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها.
(4)أن يكون الاتفاق بين المستأجر الجديد وبين كلٍ من المالك والمستأجر الأول قبل انتهاء المدة، أو بعد انتهائها.
ثانياً: إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغاً مقطوعاً زائداً عن الأجرة الدورية (وهو ما يسمى في بعض البلاد خُلواً)، فلا مانع شرعاً من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن يُعدَّ جزءاً من أجرة المدة المتفق عليها، وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة.
ثالثاً: إذا تم الاتفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر مبلغاً مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملكِ منفعةِ بقية المدة، فإن بدل خلو هذا جائزٌ شرعاً، لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك.
أما إذا انقضت مدة الإجارة، ولم يتجدد العقد صراحةً أو ضمناً عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له، فلا يحلُّ بدل الخلو، لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر.
رابعاً: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية مدة العقد لقاء مبلغٍ زائدٍ عن الأجرة الدورية، فإن بدل الخلو هذا جائزٌ شرعاً، مع مراعاة مقتضى عقد الإجارة المبرم بين المالك والمستأجر الأول، ومراعاة ما تقضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية. على أنه في الإجارات الطويلة المدة -خلافاً لنص عقد الإجارة طبقا لما تسوغه بعض القوانين- لا يجوز للمستأجر إيجار العين لمستأجرٍ آخر، ولا أخذ بدل الخلو فيها إلا بموافقة المالك. أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة، فلا يحل بدل الخلو، لانقضاء حق المستأجر الأول في منفعة العين] مجلة المجمع الفقهي مجـلة المـجـمع عـدد4/ ج3/ص2329/2330.
ثانياً: يتعامل بعض الناس بتعاملاتٍ غير صحيحة في خلو الرِجْل، فمن ذلك بيع خلو الرِجْل منفرداً عن العقار في المحلات التجارية، والصحيح أنه يجوز شراء وبيع المحلات التجارية مع خلو الرِجْل في صفقةٍ واحدةٍ، حيث إن الخلو من المنافع والحقوق المعتبرة شرعاً، ويجري عليها البيع والشراء، ولا يجوز شراء الخلو منفرداً عن المحل التجاري. ومنها ما يفعله بعض مستأجري الدور السكنية والشقق والمحلات التجارية الذين يطالبون ببدل خلو مقابل إخلاء المأجور بعد انتهاء مدة الإجارة، فمطالبتهم تلك باطلة، وإن أخذوا بدل الخلو، فإنه يكون أكلاً لأموال الناس بالباطل، وغير ذلك التعامل.
ثالثاً: الراجح من أقوال أهل العلم أن الخلو من المنافع والحقوق المعتبرة شرعاً، وبناءً على ذلك يجري عليه البيع والشراء، ويورث وتصح الوصية به، لأن الوصية أخت الميراث، فخلو الرِجْل يجري فيه الميراث الشرعي عند القائلين بجوازه، [الذين قالوا من المالكية والحنفية والحنابلة إن الخلو يملك ويباع ويرهن ذهبوا كذلك إلى أنه يورث] الموسوعة الفقهية الكويتية19/290.
وقد نقل الشيخ عليش المالكي فتوى للشيخ العلامة ناصر الدين اللقاني المتوفى سنة 958 هـ جواباً على سؤال نصه: [ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين في خلوات الحوانيت التي صارت عرفاً بين الناس في هذه البلدة وغيرها، وبذلت الناس في ذلك مالاً كثيراً حتى وصل الحانوت في بعض الأسواق أربعمائة دينارٍ ذهباً، فهل إذا مات شخصٌ وله وارثٌ شرعيٌ يستحق خلو حانوته عملاً بما عليه الناس أم لا؟. . . أفتونا مأجورين] فأجاب بما نصه [الحمد لله رب العالمين: نعم، إذا مات شخصٌ وله وارثٌ شرعيٌ يستحق خلو حانوته عملاً بما عليه الناس. . . ] فتح العلي المالك2/249-250.
قال الشيخ أحمد الغرقاوي المالكي معلقاً على فتوى العلامة اللقاني: [وقد تقدمت فتوى العلامة الناصر اللقاني بأن الخلو المذكور صحيحٌ معتبرٌ معمولٌ به، لكون العرف جرى به، سيما وفتواه مخرَّجةٌ على النصوص، وقد أُجمع على العمل بها، واشتهرت في المشارق والمغارب، وانحط الأمر على المصير إليها وتلقيها بالقبول، وهو إن لم يستند فيها إلى نصٍ صريحٍ، لكن العمل عليها؛وقد وافقه عليها من هو مقدمٌ عليه في الفقه كما سيأتي بيانه. ولا يضر عندنا عدم استناد المفتي للنص فيما أفتى به، لأنه يجوز للمفتى إذا لم يجد نصاً في النازلة تخريجها على النصوص بالشروط الآتية كما صرَّح به الشهاب القرافي] رسالة في تحقيق الخلو عند المالكية ص43.
ثم ذكر من وافقه عليها، ومنهم أخوه الشيخ محمد اللقاني، وابن نجيم الحنفي، وعبد الرحمن العمادي. انظر المصدر السابق. وقد قال بتوريث الخلو جماعةٌ من الفقهاء المعاصرين كالشيخ مصطفى الزرقا وبدران أبو العينين بدران وغيرهما. وأقرته بعض القوانين المطبقة في بعض البلدان كما هو الحال في مصر والجزائر. انظر رسالة توريث الحقوق والإيصاء بها ص 397.
رابعاً: إذا تقرر ان بدل خلو الرِجْل من الحقوق التي تورث، فإنه إذا كانت صورة الخلو مطابقة لما أجازه الفقهاء من صور خلو الرِجْل، فحينئذ يجري فيه الميراث الشرعي ويوزع على الورثة، كلٌ حسب نصيبه الشرعي.
ورد في فتوى لمركز الفتوى على موقع الشبكة الإسلامية: [إذا كان عقد الإيجار مازال سارياً، بمعنى أن مدة الإيجار باقية، فلا مانع من ترك هذا المنزل مقابل مبلغ يدفعه المالك. أما إذا كان عقد الإيجار منتهياً، فلا حق لكم في البقاء في المنزل إلا بإذن صاحبه ولو كان القانون يلزم المستأجر بالاستمرار في الإيجار فلا عبرة به، ذلك أن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر عند انتهاء مدة العقد. وفي حالة بقاء مدة الإجارة وأخذ عوضٍ مقابل التنازل عنها، فإن المبلغ المأخوذ حق للمستأجر وهو الوالد ينضاف إلى تركته، ويقسم بين الورثة. . . كلٌ حسب نصيبه الشرعي] fatwa. islamweb. net
وقال الشيخ مصطفى الزرقا في فتوى له: [البنت تَستحق أنْ تُطالِب متى شاءت بحِصَّتها الإرثية من قيمة الخُلو المذكور الموروث عن أبيها؛لأنَّ حق الإرث لا يَسقُط بالإسقاط الصريح، فمن باب الأولوية أنْ لا يَسقط بعدم المطالبة] www. onislam. net/arabic
وخلاصة الأمر أن حقيقة خلو الرِجْل: هو تنازل مالك المنفعة، عن ملكيته لها، ضمن الإجارة الصحيحة، بشروطها المعتبرة، وأن تكون مدة الإجارة باقية.
ومسألة خلو الرِجْل من المسائل الشائكة التي خاض فيها العلماء، واختلفوا في حكمها اختلافاً بيناً، وخاصةً أنه لا يوجد فيها نصوصٌ شرعيةٌ، لأنها من المسائل المتأخرة الحدوث. وعلى كل حالٍ فقد صار خلو الرجال معروفاً ومعمولاً به في كثيرٍ من بلاد المسلمين، وهو متعارف عليه في بلادنا وبالذات في بيت المقدس.
فخلو الرِجْل جرى به العرف، وتعامل به الناس وأفتى جماعةٌ من فقهاء الحنفية والمالكية المتأخرين بجوازه، فيكون له من قوة الثبوت قوة الثابت بدليلٍ شرعي، لأن العرف معتبرٌ شرعاً فيما لا يخالف النص،
وأن صور الاتفاق على بدل الخلو أربع صورٍ فصَّلها قرارُ مجمع الفقه الإسلامي، وأن الراجح من أقوال أهل العلم أن الخلو من المنافع والحقوق المعتبرة شرعاً، فيجري عليه البيع والشراء، ويورث وتصح الوصية به،
فخلو الرِجْل يجري فيه الميراث الشرعي، ويقسم حسب أنصبة الوارثين.
والله الهادي إلى سواء السبيل.