بيع المساومة وتطبيقه في المصارف الإسلامية

منذ 2014-05-27
السؤال:

ما هو بيع المساومة، وكيف يمكن تطبيقه في المصارف الإسلامية؟ 

الإجابة:

أولاً: قسَّم الفقهاء البيع باعتبار طريقة تحديد الثمن إلى نوعين أساسين: هما بيع المساومة، وبيوع الأمانة، أما بيع المساومة، فهو البيع الذي لا يُظهر فيه البائعُ رأسَ ماله. ويدخل فيه بيع المزايدة: وهو أن يعرض البائع سلعته في السوق ويتزايد المشترون فيها، فتُباع لمن يدفع الثمن الأكثر. قال ابن جزي المالكي: [بيع المزايدة هو أن يُنادَى على السلعة ويزيد فيها بعضُهم على بعضٍ، حتى تقف على آخر زائد فيها فيأخذها]  القوانين الفقهية ص 175. ويدخل في بيع المساومة أيضاً، المناقصة وهي: المقابِلةُ لبيع المزايدة، والشراء بالمناقصة هو أن يعرض المشتري شراء سلعةً موصوفةً بأوصافٍ معينةٍ، فيتنافس الباعةُ في عرض البيع بثمنٍ أقل، ويرسو البيع على من رضي بأقل سعر، ويسري عليه ما يسري على المزايدة مع مراعاة التقابل. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 9/9. وعقد المناقصة يعرف اليوم بالعطاء أو العطاءات، وهو من العقود المستحدثة، [والمناقصة هي: إجراء بمقتضاه تلتزم الجهة المعلنة عنه بالتعاقد مع صاحب عرض العوض الأقل من عروض المتنافسين للفوز فيه، نظير الوفاء بما التزم به مطابقاً للشروط والمواصفات المقررة] عقـود المناقصـات في الفقه الإسلامي لعاطف أبو هربيد. وأما بيوع الأمانة: فهي التي يُحدد فيها الثمنُ بمثل رأس المال، أو أزيد، أو أنقص. وسميت بيوع الأمانة، لأنه يُؤتمن فيها البائعُ في إخباره برأس المال، وهي ثلاثة أنواع:

(1)بيع المرابحة، وهو البيع الذي يُحدد فيه الثمنُ بزيادةٍ على رأس المال.

(2)بيع التولية، وهو البيع الذي يحدد فيه رأس المال نفسه ثمناً بلا ربح ولا خسارة.

(3) بيع الوضيعة، أو الحطيطة، أو النقيصة: وهو بيع يحدد فيه الثمن بنقصٍ عن رأس المال، أي بخسارة] انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 9/13.

ثانياً: بيع المساومة في اصطلاح الفقهاء كما عرفه ابن جزي المالكي: [المساومة هو أن يتفاوض المشتري مع البائع في الثمن حتى يتفقا عليه من غير تعريفٍ بكم اشتراها] القوانين الفقهية ص 174، أو هو بيع شيءٍ من غير اعتبار ثمنه الأول – أي الثمن الذي اشترى به البائع- أو: عرض المبيع على المشتري للبيع مع ذكر وتحديد الثمن. وبيع المساومة جائزٌ شرعاً وهو أصل البيوع، وجرى عليه عرف الناس في البيع والشراء، فصاحبُ السلعة يطلب الثمنَ الذي يريد في سلعته دون أن يبين رأس ماله. قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب صاحب السلعة أحق بالسوم] ثم روى بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم: «يا بني النجار ثامنوني بحائطكم» أي اذكروا قدراً معيناً للثمن. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [وهو أمرٌ لهم بذكر الثمن معيناً باختيارهم على سبيل السوم، ليذكرَ هو لهم ثمناً معيناً يختاره ثم يقع التراضى بعد ذلك] فتح الباري 4/326. وبهذا يظهر أن البائع في بيع المساومة يحددُ الثمنَ الذي يريده في سلعته ابتداءً، ومن ثمَ يكون هنالك مجالٌ للتراضي مع المشتري على الثمن الذي يتفقان عليه انتهاءً، كما ورد في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فقال: «ناضحك – جملٌ يسقى عليه- تبيعنيه إذا قدمنا المدينة إن شاء الله بدينارٍ؟ والله يغفر لك. قال: قلت: هو ناضحكم يا رسول الله قال: تبيعنيه إذا قدمنا المدينة إن شاء الله بدينارين. قال: قلت: ناضحكم يا رسول الله، فما زال يقول حتى بلغ عشرين ديناراً، كل ذلك يقول: والله يغفر لك، فلما قدمنا المدينة جئت به أقوده قلت: دونكم ناضحكم يا رسول الله، قال: يا بلال أعطه من الغنيمة عشرين ديناراً، وارجع بناضحك إلى أهلك» (رواه ابن ماجة وابن حبان وغيرها وصححه العلامة الألباني).

ثالثاً: قال جماعةٌ من الفقهاء إن بيع المساومة أفضلُ من بيع المرابحة، وقد ورد هذا التفضيل عن الإمام أحمد، وقال القاضي عياض: البيوع باعتبار صورها أربعةٌ، بيعُ مساومة وهو أحسنها، وبيعُ مزايدة، وبيعُ مرابحة وهو أضيقها، وبيعُ استرسال واستمالة] منح الجليل شرح مختصر خليل 5/261. [ويعقد بعضُ الفقهاء موازنةً بين أسلوب المساومة والمرابحة، وأغلب هؤلاء يفضلون بيع المساومة على بيع المرابحة، مع جواز البيعين عندهم. وسببُ التفضيل في تقديرهم هو سببٌ أخلاقي. لأن المرابحة وهي بيعٌ مؤسسٌ على رأس مال السلعة المبيعة، بمعنى تكلفتها، يحتاج لبيان كثيرٍ من الأشياء التي قد لا يتيسر دائما للبائع ضبطُها لسببٍ أو آخر. وبما أنه مؤتمنٌ لأداء هذا الواجب، فقد يُخل بحقوق هذه الأمانة، فيأثم، في حين أن بيع المساومة يخلو من هذا الالتزام. لذلك يقول الدسوقي تعليقاً على عبارة الدردير (جاز البيع حال كونه مرابحةً، والأحب خلافه) قال: وأما هو فهو غير محبوب لكثرة احتياج البائع فيه إلى البيان. ويقول الإمام أحمد: والمساومة عندي أسهل من بيع المرابحة، وذلك لأن بيع المرابحة تعتريه أمانةٌ واسترسالٌ من المشتري، ويحتاج فيه إلى تبيين الحال على وجه، ولا يؤمن هوى النفس في نوع تأويلٍ أو غلطٍ، فيكون على خطرٍ وغررٍ، وتجنب ذلك أسلم وأولى. كما قال ابن رشد البيعُ على المكايسة والمماكسة أحبُّ إلى أهل العلم وأحسن عندهم وانظر مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل 6/433. وهذا الخلاف بين الفقهاء إنما هو في الأفضلية وليس خلافاً في عدم صحة بيع المرابحة.

رابعاً: يعتبر بيع المساومة أداةً من أدوات التمويل الإسلامي، التي تأخذ بها المصارف الإسلامية، وطريقة تنفيذ[بيع المساومة تكون في طلب العميل من المصرف أن يشتري سلعةً معينةً، يشتريها المصرف من طرفٍ ثالثٍ بسعرٍ لا دخل للعميل بتحديده، وبربحٍ لا يعلمه العميلُ تبعاً لذلك، ويكون للعميل الحقُّ في قبول السلعة أو رفضها بعد تملك المصرف لها، فإذا قبل العميلُ البضاعةَ يقوم بتسديد قيمتها للمصرف بالأقساط على النحو الذي يُتفق عليه، ويقوم المصرف بتطبيق بيع المساومة على السلع المشتراة من السوق المحلي وطريقة التمويل بالمساومة تختلف عن المرابحة التي أثارت عدة إشكاليات، حيث إنه في بيع المساومة لا يلزم المصرف الإسلامي أن يذكر تكلفة السلعة عليه ومصاريفها، بخلاف المرابحة فيلزمه ذكر ذلك. خامساً: حتى يصح بيع المساومة شرعاً، لا بد للمصرف الإسلامي أن يشتري السلعة شراءً حقيقياً بعقدٍ صحيحٍ من مالكها، ولا بد للمصرف الإسلامي أن يقبض السلعة قبضاً حقيقياً أو حكمياً. ومعرفة حقيقة القبض ترجع إلى العرف وما تعامل به الناس، قال الإمام النووي: [الرجوع فيما يكون قبضاً إلى العادة وتختلف بحسب اختلاف المال] المجموع 9/276. وورد في الموسوعة الفقهية: [تحديد القبض وتحققه: مذهب المالكية والشافعية والحنابلة أن قبض كل شيء بحسبه، فإن كان مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً أو مذروعاً، فقبضه بالكيل أو الوزن أو العد أو الذرع. . . وإن كان جزافاً فقبضه نقله. . . وإن كان منقولاً من عروض وأنعام، فقبضه بالعرف الجاري بين الناس كما يقول المالكية: كاحتياز الثوب، وتسليم مقود الدابة أو ينقله إلى حيزٍ لا يختص به البائع عند الشافعية. وفصَّل الحنابلة في المنقول من العروض والأنعام فقالوا: إن كان المبيع دراهم أو دنانير، فقبضها باليد، وإن كان ثياباً فقبضها نقلها. وإن كان حيواناً، فقبضه تمشيته من مكانه، وإن كان عقاراً فقبضه بالتخلية بينه وبين المشتري، بلا حائل دونه، وتمكينه من التصرف فيه، بتسليمه المفتاح إن وجد، بشرط أن يفرغه من متاع غير المشتري عند الشافعية. . . واعتبر الحنفية التخلية - وهي: رفع الموانع والتمكين من القبض- قبضاً حكماً على ظاهر الرواية، وروى أبو الخطاب مثل ذلك عن أحمد وشرط مع التخلية التمييز] الموسوعة الفقهية الكويتية 9/132-134 بتصرف.

سادساً: يمكن للمصارف الإسلامية أن تقلل نسبة المخاطرة في بيع المساومة بالشراء مع ثبوت خيار الشرط، وهو أن يشترط أحدُ المتعاقدين أو كلاهما أنه في حلٍ من فسخ العقد أو إمضائه خلال مدةٍ محددةٍ، فيشتري المصرف الإسلامي السلع بشرط ثبوت الخيار له مدةً محددةً، كأن يشترط الخيار لمدة أسبوعٍ أو أسبوعين أو أكثر من ذلك، وعلى قول جمهور الفقهاء فإن خيار الشرط يثبت للمتعاقدين، وعلى الراجح أيضاً من أقوال الفقهاء فإن تحديد مدة خيار الشرط ترجع لاتفاق المتعاقدين، وعليه يمكن للمصرف الإسلامي أن يشتري مع خيار الشرط المحدد بمدة معينة، فإن باع السلعة فبها ونعمت، وإن لم يبع فسخ العقد مع البائع ولم يلحق به ضرر.

وخلاصة الأمر أن بيع المساومة، هو أحد نوعي البيوع والآخر هو بيع الأمانة، وأن بيع المساومة هو البيع الذي لا يُظهر فيه البائعُ رأسَ ماله للمشتري. ويدخل فيه بيع المزايدة وما يعرف اليوم بالمناقصة، وأن بيوع الأمانة هي التي يُحدد فيها الثمنُ بمثل رأس المال، أو أزيد، أو أنقص. ويدخل فيها المرابحة والتولية والوضيعة، وأن بيع المساومة جائزٌ شرعاً وهو أصل البيوع، وجرى عليه عرف الناس في البيع والشراء، وهو أفضلُ من بيع المرابحة، وأن بيع المساومة من أدوات التمويل الإسلامي التي تأخذ بها المصارف الإسلامية، وأنه حتى يصح بيع المساومة شرعاً، لا بد للمصرف الإسلامي أن يشتري السلعة شراءً حقيقياً بعقدٍ صحيحٍ من مالكها، ولا بد للمصرف الإسلامي أن يقبض السلعة قبضاً حقيقياً أو حكمياً. ويمكن للمصارف الإسلامية أن تقلل نسبة المخاطرة في بيع المساومة بالشراء مع ثبوت خيار الشرط لمدة معينة، فإن باع المصرف السلعة فبها ونعمت، وإن لم يبع فسخ العقد مع البائع ولم يلحق به ضرر. والله الهادي إلى سواء السبيل. 

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.

  • 11
  • 2
  • 94,146

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً