تقام في شهر شعبان في بلدتنا حضرموت زيارة لقبر النبي هود عليه السلام
عبد العزيز بن باز
- التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -
تقام في شهر شعبان في بلدتنا حضرموت زيارة لقبر النبي هود عليه السلام، المعتقد أن قبره بالأحقاف، حضرموت، إذ تشد الرحال إلى هناك بمسافة خمس ساعات بالسيارة، حيث يفد إلى هناك جمع غفير من الناس، تعد بالألوف المليئة بالاعتقاد الباطل، كما نعتقد؛ حيث يقومون بصعود جبل، ويصلون إلى غرفة في أعلاه بها قبران أو ثلاثة، وينكبون عليها تمسحاً وبكاء ودعاء وتبركاً، ثم ينزلون ويفعلون ذلك كل يوم لمدة أربعة أيام تقريباً، وهذا ما يشبهونه بالسعي، وجعلوا أماكن شخصوا فيها جسد النبي هود عليه السلام، فهناك حصاة يقال لها "نخرة" النبي أي أنفه، وأخرى ملساء فيها أثر لقدمه وتسمى "الدحقة" يبلغ طولها حوالي ثلاثة أذرع، وثالثة يقال لها: "قدمية" تعلق فيها النساء اللاتي يردن أزواجاً حصيات لكي تحصل على زوج، وكذلك تفعل الأم التي تريد أولاداً، ويقولون من الوعظ في هذه الزيارة: "إن السلف من الأولياء قد قاموا بتأسيس هذه الزيارة، وإنهم دعوا إليها مثل الفقيه المهاجر أحمد بن عيسى"، وهكذا، ويستمرون على هذا المنوال، في شرح هذه الصفة يا شيخ عبد العزيز نرجو توجيهكم ونصحكم، وماذا علينا أن نعمل؟
أولاً: نبي الله هود عليه الصلاة والسلام لا يعرف قبره، وما يزعمون أنه قبر هود في الأحقاف هناك ليس له أصل ولا يعرف من القبور التي تنسب للأنبياء، سوى قبر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وقبر الخليل في المغارة المعروفة في الخليل في الشام فلسطين؛ وأما قبر هود وصالح ونوح وغيرهم من الأنبياء فلا تعرف قبورهم، وما يدعى أن قبر هود موجود هناك في الأحقاف وأنه في الغرفة التي أشار إليها السائل كل هذا لا أصل له وليس بصحيح، ولا يعرف قبر هود ولا غيره من الأنبياء سوى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وسوى قبر الخليل.
المقصود أن هذا الذي يفعلونه منكر ولا يجوز، بل هو من المحرمات الشركية، فإن دعاء نبي الله هود والتبرك بالحصى، الذي ينسب إلى أنه قبره، وأنه من جسده كل هذا شرك أكبر، فالتماس البركة من ذلك، أو الأزواج أو الذرية كل هذا منكر، وكله من المحرمات الشركية، فطلب الأولاد يكون من الله هو الذي يعطي الأولاد سبحانه وتعالى، وهكذا يطلب من الله تيسير الأزواج لا من أحجار تنسب إلى هود أو قبر ينسب إلى هود، بل لا يطلب من هود نفسه عليه الصلاة والسلام، لا يقال لهود: "أعطنا أولاداً أو بارك لنا في الأولاد"، هذا إلى الله سبحانه وتعالى، وما يفعله الجهلة من هذه الأمور كله منكر، يجب إنكاره ويجب على العقلاء نهيهم عن ذلك، وعلى أهل العلم أن يحذروهم من ذلك، وأن لا يغتروا بفعل الجهلة، وما يقوله بعض الصوفية أو بعض عباد الأوثان في هذه المسائل، كل هذا غلط.
فالعبادة حق الله:
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة : 5]، وهو سبحانه المبارك والذي تطلب منه البركة جل وعلا، ولا تطلب البركة من أحجار ولا من قبور ولا من أشجار، ولا من نبي الله هود ولا من غير ذلك.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم، سأله جماعة من الصحابة لما رأوا شجرة يتعلق بها المشركون ويعلقون بها أسلحتهم، يرجون بركتها، قالوا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، قال عليه الصلاة والسلام: « »، شبه قولهم: "اجعل لنا ذات أنواط" بقول بني إسرائيل: "اجعل لنا إلهاً"؛ ومعلوم أن اتخاذ الآلهة مع الله كفر أكبر، فلا يجوز أن يتخذ مع الله إلهاً، لا من الأصنام ولا من الأشجار، ولا من الملائكة ولا من الرسل، ولا من سائر الناس ولا من الجن، بل حق الله أن يعبد سبحانه وتعالى، حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وهو القائل سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، وهو القائل عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23]، وهو القائل سبحانه: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 14]، وهو القائل عز وجل: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 2]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لما سأل معاذاً عن حق الله على العباد، قال له معاذ: الله ورسوله أعلم، فقال عليه الصلاة والسلام: « »، فحق الله على العباد أن يعبدوه وحده في دعائهم وسؤالهم، وصلاتهم وصومهم وذبحهم ونذرهم وطلب البركة، كل ذلك إلى الله وحده سبحانه وتعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: « »، وهكذا ما يفعله بعض الجهلة عند قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من دعائه أو الاستغاثة به أو طلبه النصر أو المدد، كل ذلك من المحرمات الشركية وهكذا ما يفعله بعض الناس عند قبر البدوي أو الحسين بن علي رضي الله عنه أو عند قبر ابن عربي في الشام أو عند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني في العراق، فما يفعله الجهلاء من دعائهم والاستغاثة بهؤلاء وطلب المدد منهم، كل هذا من الكفر بالله، ومن الشرك بالله سبحانه وتعالى.
فالواجب: إخلاص العبادة لله وحده، وأن لا يدعى سواه جل وعلا، وأن لا يطلب النصر من الأموات، ولا من الأشجار والأحجار، ولا المدد ولا الشفاء كل ذلك يطلب من الله وحده سبحانه وتعالى، أما المخلوق فيطلب منه ما يقدر عليه، إذا كان حياً حاضراً ما هو الميت، الميت ما يطلب منه شيء، ولا الغائب، إنما يطلب من الحي الحاضر، إذا كان يقدر يقال: يا أخي ساعدنا في كذا، أعنا على كذا فيما يقدر عليه، أقرضنا كذا، أو ساعدني على إصلاح البيت، على إصلاح السيارة، يقوله له مشافهة أو من طريق المكاتبة أو الهاتف، لا بأس، أما الأموات والأشجار والأحجار والأصنام والنجوم، هذه كلها لا تسأل ولا تطلب منها شيء، بل ذلك من الشرك الأكبر نعوذ بالله، بل ذلك من عبادتها من دون الله سبحانه وتعالى، فيجب على أهل الإسلام أن يحذروا ما حرم الله عليهم، وأن يتثقفوا في دينهم، وأن يسألوا العلماء المعروفين بالسنة، والمعروفين بالعقيدة الصحيحة، على العامة أن يسألوهم عن دين الله، وعما أشكل عليهم، وألا يعملوا بمجرد العادات، والآراء التي يفعلها الجهلة، يقول الله سبحانه: {لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163]، ويقول عز وجل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 1، 2]، الصلاة لله والذبح لله، وهكذا الدعاء، يقول سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، فهو الذي يدعى ويرجى سبحانه وتعالى، وهو الذي يتقرب إليه بالنذور والذبائح والصلاة والصوم ونحو ذلك، نسأل الله أن يوفق المسلمين للبصيرة في دينهم، وأن يصلح علماء المسلمين، وأن يوفقهم لتبصير إخوانهم وتعليمهم ما أشكل عليهم.