من معاني النية، التفريق بين العادات والعبادات والعبادات بعضها عن بعض
قرأت في إحدى الفتاوى عندكم أن النية لازمة في سجود السهو فلم أفهم المقصود بالنية هنا، لأنني لا أتصور أن أفعل فعلا في حياتي من غير قصد ونية، فإذا أردت أن أمشي إلى المسجد فقد نويت الذهاب إليه.. وهكذا، ولا يمكنني الذهاب إليه من غير قصد، وفي بعض الأحيان أجد عبارات لا أفهمها: غسل النجاسة من الثوب لا يحتاج لنية ـ وأيضاً: من صلى من غير نية... وغيرها من العبارات، وهذا يعارض فهمي لمعنى كلمة: نية ـ فماذا تقصدون بالنية في سجود السهو؟ وماذا يلزم من تركها؟ وهل يكون سجود السهو غير مجزئ؟ وأريد أن أعرف ما هي أركانه التي إذا فقدت يبطل سجود السهو؟ فهل يجزئ من غير قول سبحان ربي الأعلى، ورب اغفر لي، ومن غير تشهد؟ صليت لفترة مع سجود سهو من غير نية ومن غير قول: سبحان ربي الأعلى ـ فإذا كان ما ذكر يبطل السجود، فماذا علي؟ وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فأما عدم تصورك لفعل بلا نية، فلا إشكال فيه في الأصل، قال العثيمين رحمه الله: قال بعض العلماء: لو كلَّفنا الله عملاً بلا نيَّة لكان من تكليف ما لا يُطاق، فلو قيل: صَلِّ ولكن لا تنوِ الصَّلاة، توضَّأ ولكن لا تنوِ الوُضُوء، لم يستطع، ما من عمل إلا بنيَّة ولهذا قال شيخ الإسلام: النيَّة تتبع العلم، فمن علم ما أراد فِعْلَه فقد نواه، إذ لا يمكن فعله بلا نيَّة ـ وصَدَق ـ رحمه الله ـ ويدلُّك لهذا قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: « » ـ (متفق عليه)، أي: لا عمل إلا بنيَّة، لكن المقصود هنا شيء زائد، وهو التمييز، قال القرافي في كتابه الأمنية في إدراك النية: الْبَاب الرَّابِع فِي حِكْمَة إِيجَاب النِّيَّة فِي الشَّرْع، وَحِكْمَة إِيجَابهَا تَمْيِيز الْعِبَادَات عَن الْعَادَات، أَو تَمْيِيز مَرَاتِب الْعِبَادَات، فَالْأول لتمييز مَا لله تَعَالَى عَن مَا لَيْسَ لَهُ، فيصلح الْفِعْل للتعظيم كالغسل يَقع تبردا وتنظيفا وَيَقَع عبَادَة مَأْمُورا بهَا، فَإِذا نوى تعين أَنه لله تَعَالَى فَيَقَع تَعْظِيم العَبْد للرب بذلك الْغسْل، وَمَعَ عدم النِّيَّة لَا يحصل التَّعْظِيم، وكالصوم يكون لعدم الْغذَاء وَيكون للتقرب، فَإِذا نوى حصل بِهِ التَّعْظِيم لله تَعَالَى، ونظائره فِي الْأَفْعَال كَثِيرَة.
وَأما الثَّانِي: فالصلاة تَنْقَسِم إِلَى فرض ومندوب، فالفرض يَنْقَسِم إِلَى مَنْدُوب وَغير مَنْدُوب، وَغير الْمَنْدُوب يَنْقَسِم إِلَى الصَّلَوَات الْخمس قَضَاء وَأَدَاء، وَالْمَنْدُوب يَنْقَسِم إِلَى راتب كالعيدين وَالْوتر، وَغير راتب كالنوافل، وَكَذَلِكَ القَوْل فِي قربات المَال وَالصَّوْم والنسك، فشرعت النِّيَّة لتمييز هَذِه الرتب.
فأنت قصدت الغسل، لكن هل نويت رفع الجنابة أم مجرد التنظف؟ هذه هي النية المقصودة، وأما عبارة: غسل النجاسة من الثوب لا تحتاج إلى نية ـ فلا إشكال فيها، فلو نزل المطر فأزال النجاسة، زالت، مع عدم وجود نية من أحد، وكذا لو غسلها إنسان بنية التنظيف لا التعبد.
وأما عبارة: من صلى من غير نية... فمقصودها من غير نية الصلاة المعينة كالظهر، أو الجمعة، أو المقصورة.
وعليه، فسجود السهو تشترط له النية، ولا تعني النية تذكر سبب السهو، لكن نية السجود بسبب السهو، فلو أن مُصلياً سها ثم سها فزاد سجدة بعد التشهد، فأراد أن يحتسبها من سجدتي السهو لم تجزئه، وهذه النية لا تكاد تفارق مسلما، فلا عسر في استحضارها.
وعليه، فكونك سجدت بلا نية ليس بصحيح، بل قد نويت ـ قصدت ـ السجود للسهو، وأما أركان سجود السهو، فقال الحجاوي في الإقناع: وَسُجُودٌ سَهْوٌ كَسُجُودِ صُلْبِ الصَّلَاةِ وَمَا يَقُولُ فِيهِ.
والفتوى عندنا على عدم وجوب السجود على الأعضاء السبعة غير الجبهة.
والطمأنينة ركن في السجود.
وأما التشهد لسجود السهو: فقد سبق عدم وجوبه.
وأما قول: سبحان ربي الأعلى، رب اغفر لي ـ فقد سبق أنهما من واجبات الصلاة، التي تبطل الصلاة بتعمد تركها.
فإن نسيهما فلا يجب شيء، لأن سجود السهو لا يشرع لمن سها في سجود سهوه.
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: