الاختلاف في إثبات دخول الشهر
أنا أقيم بفرنسا ودائما نختلف على هلال رمضان وهلال العيد، إذ أن العائلة الواحدة تنقسم إلى شطرين النصف يصوم اليوم والنصف الآخر يصوم غدا ونفس الشيء يحصل في العيد، وأنا صراحة أصوم حسب المملكة السعودية وأفطر لفطرها ونصف عائلتي يصوم لفرنسا ويفطر لفطرها والنصف الأخر يصوم بصيام السعودية ثم يفطر لفطر فرنسا وقد سئمت من هذه المهزلة التي لا تستند إلى أصول، ألم يقل النبي عليه أفضل الصلاة والسلام أن للمسلمين عيدين فلماذا يتخذ كل واحد منا لنفسه عيداً خاصا به متى شاء ذلك، ولماذا يكون لكل بلد يوم عرفة خاص به وحسب معلوماتي فيوم عرفة يوم يكون الحجاج في جبل عرفة، فلماذا يتخذ البعض يوم عرفة قبل أو بعد أن يكون الحجاج في جبل عرفة، فأجيبوني أرجوكم، هل أنا المخطئة أم هم، وإن كنت كذلك فأجيبوني كي أصحح خطئي؟
وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فشكر الله لك حرصك على وحدة الصف واجتماع الكلمة، ولكن لا بد من أن تتنبهي إلى أمور ليحصل لك بها ضبط هذه الغيرة المحمودة إن شاء الله، وفيها تصحيح لبعض ما ورد في سؤالك من مجانبة الصواب.
أولاً: اختلف العلماء فيما إذا رئي الهلال في بلد، هل تلزم رؤيتهم رؤية جميع البلاد، فذهب الجمهور إلى هذا القول، وذهب الشافعي في الجديد إلى أن لأهل كل بلد رؤيتهم، وحكاه الترمذي عن أهل العلم، وهو قول كثير من المعاصرين، لكن لا بد أن تعلمي أن الهلال إذا رئي في البلد التي أنت فيها فلا يجوز ترك رؤيتهم إعتماداً على عدم رؤيته في بلد آخر، لأن الهلال في هذه الحالة قد ثبت بطريق شرعي.
ثانياً: ليس الضابط هو رؤية الهلال في السعودية دون غيرها، بل الضابط عند من يرى أن رؤية البلد الواحد رؤية لجميع البلاد هو أن تثبت رؤية الهلال في أي قطر.
ثالثاً: المتبع في هلال ذي الحجة في جل الدول هو اتباع المملكة العربية السعودية في ذلك لما أن المشاعر في بلادهم، ومن ثم فلا توجد المشكلة ذاتها في يوم عرفة وعيد الأضحى كوجودها في أول رمضان وعيد الفطر، وإن كان الخلاف جارياً في هلال ذي الحجة جريانه في هلال رمضان وشوال سواء بسواء، فلا مانع عند القائلين بأن لكل أهل بلد رؤيتهم من أن يكون يوم عرفة في بلد غير يوم عرفة في البلد الآخر، وليس في هذا تفريق للمسلمين بل كل فريق من العلماء تبنى ما رآه موافقاً للدليل من وجهة نظره.
رابعاً: الذين يصومون لغير رؤية بلدهم ولا يفطرون إلا مع بلدهم يتناقضون، إذ باب المسألتين واحد.
خامساً: إذا كنت تعملين بأحد القولين في المسألة وتأخذين برؤية الهلال إذا ظهر في غير البلد الذي أنت فيه، فهذا قول طائفة كثيرة من أهل العلم، ولا تثريب على من عمل به، ولكن ليس لمن عمل بهذا القول أن يظهر مخالفته الناس بل عليه أن يعمل به في خاصة نفسه، لما يجره ذلك من الفتن والشرور.
سادساً: إذا كان أهل البلد الذي أنت فيه يتحرون الهلال ثم لم يروا الهلال وعمل الناس بمقتضى ذلك ولم يلتفتوا إلى رؤية البلاد الأخرى فهذا قول طائفة كبيرة من أهل العلم، وهو ما رجحناه من قبل في فتاوى كثيرة، والأخذ بهذا القول أبعد عن إثارة الفتن بين المسلمين، فلا داعي البتة لهذه النبرة الحادة التي نلمسها في سؤالك.
والذي يأخذ برؤية بلده دون غيرها له أسوة بابن عباس، فقد رأى العمل برؤية أهل المدينة، دون أن يلتفت إلى رؤية أمير المؤمنين معاوية بالشام، وكان أهل الشام قد رأوا هلال رمضان قبل أهل المدينة بيوم، والخبر عند مسلم في صحيحه، وقال الترمذي عقب إخراجه له: والعمل على هذا عند أهل العلم يرون أن لكل أهل بلدٍ رؤيتهم. انتهى. ولا يقول أحد من الناس إن ابن عباس فرق الأمة وجعل لها عيدين.
والخلاصة: أن المسألة اجتهادية، وفيها للعلماء قولان معروفان، فمن عمل بأحدهما باجتهادٍ أو تقليد سائغ فلا حرج عليه، ولا يجوز لأحد أن ينكر على من يخالفه في هذه المسألة باجتهاد أو تقليد سائغ، وبخاصة إذا كان من يخالفه هو من يصوم ويفطر مع الجماعة ومعظم الناس، ولكن بمقتضى مراعاة المصلحة الأرجح ليس لأحد أن يظهر خلاف عموم الناس في الصوم والفطر حرصاً على عدم توسيع رقعة الخلاف بين المسلمين.
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: