الاختلاف في رؤية الهلال
نتمنى من الله العلي القدير أن يتقبل منا ومنكم صيام رمضان وقيامه، لقد سهل الله علينا أن نبدأ رمضان في يوم واحد إلا نسبة قليلة من المسلمين في العالم وهذا أفرحني كثيراً، لكن في آخر رمضان وقع ما وقع من تفرقة وانشقاق بين المسلمين (المقيمين بفرنسا) في تحديد يوم عيد الفطر حتى أن في نفس المدينة، هناك من أفطر يوم التاسع والعشرين وهناك من أتم الثلاثين، السؤال: ما هي الإيضاحات في عدم الاتحاد بين المسلمين، أفيدوني؟ جزاكم الله عني خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فما وقع بين المسلمين المقيمين في فرنسا من اختلاف في رؤية هلال شوال من كون بعضهم أتم شهر رمضان لعدم رؤيته الهلال وبعضهم أفطر تبعاً لمن أعلن رؤيته قد وقع في بلدان أخرى أيضاً مثله قديماً وحديثاً، لأن هذه المسألة محل خلاف قديم بين أهل العلم رحمهم الله، وهي من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف، ولذا لا ينبغي أن تكون سبباً للفرقة والنفرة بين المسلمين، فلكل رأيه وهذا من سعة الشريعة ورحمة الله بالعباد، وذلك أن الله أراد بهذا الاختلاف التوسيع على عباده، فإذا ضاق الأمر بهم في قول عالم في زمن من الأزمان أخذوا بقول آخر، ولو أراد الله أن تكون نصوص الكتاب والسنة لا تحتمل إلا وجها واحداً لا اختلاف فيه ما أعجزه ذلك، ولكنه أراد من ذلك الخلاف حكماً يعلمها سبحانه، وقد ذكر الإمام ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله: أن عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد اجتمعا فجعلا يتذاكران الحديث فجعل عمر يجيء بالشيء مخالفاً فيه القاسم، وجعل ذلك يشق على القاسم حتى تبين فيه فقال له عمر: لا تفعل، فما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم. انتهى.
واستشار الرشيد مالكاً أن يحمل الناس على موطئه في مثل هذه المسائل فمنعه من ذلك، وقال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار، وقد أخذ كل قوم من العلم ما بلغهم.
وصنف رجل كتاباً في الاختلاف فقال أحمد: لا تسمه كتاب الاختلاف، ولكن سمه كتاب السعة، ولهذا كان بعض العلماء يقول: إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة، لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة، وكذلك قال غير مالك من الأئمة: ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه.
ولهذا قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره، إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد، وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها.
ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه. انتهى.
وعليه، فلا حرج على من أخذ بأحد الرأيين مع احترام رأي الآخرين وعدم الجزم بصواب رأيه، وتخطئة الآخرين، وأن تشرح هذه المسألة للمسلمين بشكل واضح حتى لا يختلفوا بسببها اختلافاً مذموماً يؤدي إلى النفرة والتقاطع ونحو ذلك.
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: