حكم من أراد الجهاد فلم يأذن له والداه ومنعاه من السفر
نويت النفير للشام، وأعددت ما استطعت من العدة، وقبلها بشهور استأذنت والدي ولم يوافقا، وخبآ جواز السفر، ونويت النفير يوم الثلاثاء الماضي، فدعوت الله عز وجل وقلت: "لأن سهلت لي النفير لأجاهدنّ في سبيلك ما استطعت" والله - جل وعلا - سهل لي الذهاب، ووجدت جواز السفر وحجزت الرحلة، وذهبت إلى المطار، واتصلت بأختي لأخبرها، وبعدها بدقائق اتصلت عليّ وأخبرتني أن أبي سيجن، فخفت عليه ورجعت، فهل وليت الأدبار؟ أو توليت يوم الزحف؟ ووالداي لم يأذنا لي، وهما الآن في أشد الغضب مني، فهل أنا عاق لما فعلت؟ وهل نقضت عهد الله؟ علمًا أنهم الآن منعوني من السفر في الدولة رسميًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فلست ـ إن شاء الله ـ ممن تولى، فإن الآية خاصة بيوم الزحف عند لقاء العدو في الحرب بالفعل، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [الأنفال: 15]، قال ابن كثير: أي: تقاربتم منهم ودنوتم إليهم اهـ. وقال السعدي: أي: في صف القتال، وتزاحف الرجال، واقتراب بعضهم من بعض. اهـ.
قال الجلال المحلي: أي: يوم لقائهم. اهـ.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: قال الزجاج: ومعنى الكلام: إذا واقفتموهم للقتال فلا تُدبروا {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ} يوم حربهم {دُبُرَهُ} ... فصل: اختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال قوم: هذه خاصة في أهل بدر، وهو مروي عن ابن عباس، وأبي سعيد الخدري، والحسن، وابن جبير، وقتادة، والضحاك، وقال آخرون: هي على عمومها في كل منهزم، وهذا مروي عن ابن عباس أيضًا، وقال آخرون: هي على عمومها، غير أنها نسخت بقوله تعالى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} فليس للمسلمين أن يفروا من مِثلَيهم، وبه قال عطاء بن أبي رباح، وروى أبو طالب عن أحمد أنه سئل عن الفرار من الزحف، فقال: لا يفر رجل من رجلين، فإن كانوا ثلاثة فلا بأس، وقد نُقل نحو هذا عن ابن عباس، وقال محمد بن الحسن: إذا بلغ الجيش اثني عشر ألفًا، فليس لهم أن يفروا من عدوهم، وإن كثُر عددهم، ونقل نحو هذا عن مالك، ووجهه ما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: « ». اهـ.
وأما مسألة الوالدين: فكل جهاد غير متعين - أي: لا يجب وجوبًا عينيًا - يجب استئذانهما للخروج إليه، فإن منعا حرم الجهاد.
فاستعفر الله، واجتهد في إرضائهما وبيان نيتك وهدفك من الخروج، وأنك لم تقصد إغضابهما، وهذا يتأكد عليك الآن؛ لأنك صرت ممنوعًا من السفر رسميًا في الدولة، فإن كنت تريد فضل الجهاد وأجره فعندك والداك، فاجتهد في برهما والإحسان إليهما، فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال: « » قال: نعم، قال: « » (رواه البخاري ومسلم).
وعن ابن مسعود قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: « ». قال: ثم أي؟ قال: « »، قال: ثم أي؟ قال: « » (رواه البخاري ومسلم).
وأما مسألة نقض العهد مع الله: فأنت لم تنقض عهدك؛ لأنك قلت: "لئن سهلت لي النفير لأجاهدن في سبيلك ما استطعت"، وهذا لم يحدث، فالنفير لم يتيسر لك بعد، وأنت لا تستطيع الجهاد ما دامت حالك على ما ذكرت.
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: