مذاهب أهل العلم فيمن تؤخذ منهم الجزية
الشبكة الإسلامية
- التصنيفات: فقه الجهاد -
إن عادت العزة للمسلمين، وحكمنا بشرع الله، ثم بدأنا بفتح الدول، وفتحنا دولة بوذية. فهل تؤخذ منهم الجزية أم يطلب منهم الإسلام أو القتل؟ وما دليله؟ وهل هذا متعارض مع قوله تعالى: {لا إكراه في الدين}؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فإن الواجب على المسلمين دعوة أهل الكفر إلى الإسلام، وبيان محاسنه لهم، ومحاولة إخراجهم من ظلمات الشرك والجهل إلى نور التوحيد والإسلام. فإن قبلوا ذلك ودخلوا في الإسلام، فذلك هو المطلوب، وإلا فقد اختلف أهل العلم فيمن تؤخذ منهم الجزية.
جاء في الموسوعة الفقهية: اختلف الفقهاء في قبول الجزية من المشركين: فذهب جمهور الفقهاء من الشافعية، والحنابلة في أظهر الروايتين عن أحمد، وابن الماجشون من المالكية، إلى أن الجزية لا تقبل من المشركين مطلقا، أي سواء أكانوا من العرب أو من العجم، ولا يقبل منهم إلا الإسلام، فإن لم يسلموا قتلوا. واستدلوا لذلك بقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله}، {من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}. فالآية تقضي بجواز أخذ الجزية من أهل الكتاب خاصة، ولا دلالة للفظ في حق غيرهم من المشركين. وروى البخاري - بسنده - إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ». فالحديث عام يقتضي عدم قبول الجزية من جميع الكفار، ولم يخصص من هذا العموم إلا أهل الكتاب، والمجوس. فمن عداهم من الكفار يبقى على قضية العموم، فلا تقبل الجزية من عبدة الأوثان سواء أكانوا عربا أم عجما، ولأن المشركين من عبدة الأوثان لم يكن عندهم مقدمة (سابقة) من التوحيد والنبوة، وشريعة الإسلام، فلا حرمة لمعتقدهم. وذهب الحنفية، ومالك في رواية حكاها عنه ابن القاسم، وأخذ بها هو وأشهب، وسحنون، وكذا أحمد بن حنبل في رواية حكاها عنه الحسن بن ثواب، ذهبوا إلى أن الجزية تقبل من المشركين إلا مشركي العرب. واستدلوا لذلك بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} فهو خاص بمشركي العرب؛ لأنه مرتب على قوله تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} وهي الأشهر الأربعة التي كان العرب يحرمون القتال فيها؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ الجزية من مشركي العرب. روى عبد الرزاق من حديث الزهري: أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح عبدة الأوثان على الجزية إلا من كان منهم من العرب.
وقال ابن جرير الطبري: أجمعوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى أخذ الجزية من عبدة الأوثان من العرب، ولم يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف.
واستدلوا من المعقول: بأن كفرهم قد تغلظ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نشأ بين أظهرهم، والقرآن نزل بلغتهم، فالمعجزة في حقهم أظهر، لأنهم كانوا أعرف بمعانيه، ووجوه الفصاحة فيه. وكل من تغلظ كفره لا يقبل منه إلا الإسلام، أو السيف، لقوله تعالى: {قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون} أي تقاتلونهم إلى أن يسلموا. وذهب مالك في قول- وهو الراجح عند المالكية-، والأوزاعي، إلى أن الجزية تقبل من جميع الكفار، ومنهم المشركون، وعبدة الأوثان، سواء أكانوا من العرب، أم من العجم، وسواء أكانوا قرشيين أم غير قرشيين. واستدلوا لذلك بحديث بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله. وقال: « »، « ». وذكر من هذه الخصال الجزية. فقوله صلى الله عليه وسلم: « ». إما أن يكون خاصا بعبدة الأوثان ونحوهم من غير أهل الكتاب، وإما أن يكون عاما في جميع الكفار من أهل الكتاب، وعبدة الأوثان. وعلى كل منهما يحصل المقصود وهو قبول الجزية من عبدة الأوثان، لأنه لو اختص بغير أهل الكتاب من عبدة الأوثان. فالحديث يفيد قبول الجزية من عبدة الأوثان، وإذا كان عاما فيستفاد منه أيضا قبول الجزية من عبدة الأوثان وأهل الكتاب. واستدلوا لقبول الجزية من عبدة الأوثان بالقياس على أهل الكتاب، والمجوس. ونقل عن مالك أن الجزية تقبل من جميع الكفار إلا مشركي قريش. وقد أخذ بهذا النقل كل من ابن رشد صاحب المقدمات، وابن الجهم من المالكية. وقد اختلف المالكية في تعليل عدم أخذ الجزية من مشركي قريش: فعلله ابن الجهم بأن ذلك إكرام لهم، لمكانهم من النبي صلى الله عليه وسلم. وعلله القرويون بأن قريشا أسلموا كلهم قبل تشريع الجزية، فلم يبق منهم أحد على الشرك، فمن وجد منهم بعد ذلك على الشرك فهو مرتد، فلا تؤخذ منه الجزية. اهـ.
ثم إن فرض الجزية عليهم لا يعني إكراههم على الإسلام، فإنه لا إكراه في الدين، كما في الآية، وكما في المصنف لعبد الرزاق: كان في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن: « ».
والله أعلم.