قتل الكفار.. الموجبات.. الموانع.. والضوابط
كيف تردون على من يقول: إن عدم قتل المسلم بالكافر، تمييز عنصري؟ وفي فتوى سابقة، لقد فهمت من قولكم: "إلا أنه ينبغي التنبه إلى أن الأحكام المتعلقة بالكفار الحربيين، إنما تكون مع مشروعية الجهاد" أنه لا يجوز قتل الكافر الحربي المسالم. فهل فهمي صحيح؟ فمثلا إذا سافرت، ولقيت في طريقي كافرا ليس بمعاهد، ولا مستأمن، ولا ذمي. فهل يجوز لي قتله؟ وهل الكافر الحربي هو الكافر الذي يحمل السلاح، ويقاتل المسلمين أم إن هذا ليس شرطاً؟
وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: فالحق الذي قامت به السماوات، والأرض قاضٍ بالتفريق بين الناس باعتبار ما في قلوبهم من البر، وما كسبت أيديهم من الخير أو الشر، وهذا التفريق ـ بلا ريب ـ هو مقتضى العدل؛ قال الله تعالى: {ومَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ} [غافر: 58]. وقال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]. وقال عز وجل: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28]. وقال سبحانه: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ . مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35ـ 36].
وأما التمييز بين الناس باعتبار الجنس، أو السلالة، أو النسب، أو الوطن، أو اللون، أو الوظيفة، وما أشبه ذلك، فهذا هو الذي يأباه الحق، ويرفضه الإسلام؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم).
وأما مسألة قتل المسلم بالكافر غير الحربي، فمما اختلف فيه أهل العلم، فمذهب الشافعية، والحنابلة أنه لا يقتل به، وذهب مالك والليث إلى أنه لا يقتل به إلا أن يقتله غيلة، وذهبالنخعي، والشعبي، وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة إلى أنه يقتل بالذمي خاصة.
ومذهب الجمهور المانعين من قتل المسلم بالكافر، ليس مبنيا على التمييز العنصري، وإنما هو للفرق الذي صدرنا به الكلام، واتباعا لأدلة السنة التي لولاها لحكموا بإطلاق دلالة القرآن التي تمسَّك بها الحنفية، كقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45].
وقوله عز وجل: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33]. وقوله سبحانه: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179].
وهنا ننبه على أن الانجرار وراء الشبهات، أدت ببعض الناس إلى الحكم على منع المسلمة من الزواج بغير المسلم، بأنه من التمييز العنصري أيضا، ولأجل ذلك يدعون إلى ما يعرف بالزواج المدني!!! وهذه هي عاقبة من يسوي بين الأديان، ولا يفرق بين أهلها في جميع الأحكام!
وأما الكفار الحربيون فيجوز قتل من يقاتل منهم.
جاء في الموسوعة الفقهية: فيختلف حكم الكافر في حالة العهد عنه في غير حالة العهد، ففي غير حالة العهد يجوز قتل المقاتلين من الكفار؛ لأن كل من يقاتل يجوز قتله، ولا يجوز قتل النساء، والصبيان، والمجانين، والخنثى المشكل باتفاق الفقهاء، وكذلك لا يجوز قتل الشيوخ عند جمهور الفقهاء، وصرح الحنابلة بأن الفلاح الذي لا يقاتل لا ينبغي أن يقتل؛ لما روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: اتقوا الله في الفلاحين الذين لا ينصبون لكم الحرب ـ وقال الأوزاعي: لا يقتل الحراث إذا علم أنه ليس من المقاتلة. اهـ.
وفيها أيضا: اتفق الفقهاء على أن دم الكافر الحربي ـ وهو غير الذمي، والمعاهد، والمؤمن ـ مهدر، فإن قتله مسلم فلا تبعة عليه إذا كان مقاتلا، أما إذا كان الكافر الحربي غير مقاتل كالنساء، والصبيان، والعجزة، والرهبان وغيرهم ممن ليسوا أهلا للقتال أو لتدبيرها، فلا يجوز قتله، ويعزر قاتله، إلا إذا اشترك في حرب ضد المسلمين، أو أعانهم برأي، أو تدبير، أو تحريض. اهـ.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن غاية الجهاد ليست قتل غير المسلمين! وإنما هو من باب إزالة العوائق أمام دعوة الناس للدين الحق، ولذلك يبتدأ بالدعوة والبيان قبل نصب القتال.
جاء في الموسوعة الفقهية: يجب على المسلمين دعوة الكفار إلى الإسلام؛ لقول الله تبارك وتعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} ـ ولا يقاتلون قبل الدعوة إلى الإسلام؛ لأن قتال الكفار لم يفرض لعين القتال، بل للدعوة إلى الإسلام.
والدعوة دعوتان: دعوة بالبنان وهي القتال، ودعوة بالبيان وهو اللسان، وذلك بالتبليغ.
والدعوة بالبيان أهون من الدعوة بالقتال؛ لأن في القتال مخاطرة الروح، والنفس، والمال، وليس في دعوة التبليغ شيء من ذلك، فإذا احتمل حصول المقصود بأهون الدعوتين، لزم الافتتاح بها، وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقاتل الكفرة حتى يدعوهم إلى الإسلام، ثم إذا دعاهم المسلمون إلى الإسلام، فإن أسلموا كفوا عنهم القتال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « »؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « ». اهـ.
ثم إن الكافر الحربي إذا دخل دار الإسلام بعهد، أو أمان، أو موادعة حرم التعرض له في نفسه وماله، وكذلك لو دخل المسلم ديار الحربيين بعهد، أو أمان، أو موادعة حرم التعرض لشيء من دمائهم، وأموالهم بإجماع الفقهاء، ومن المعروف أن منح تأشيرة الدخول في عصرنا الحاضر يعتبر من عهد الأمان.
وعلى أية حال، فإننا لا نستطيع في مقامنا هذا أن نصل في مثل هذه المسائل إلى حد الكفاية، ولعل في هذا القدر المجمل بداية للهداية.
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: