الكذب والسرقة من الكفار .. رؤية شرعية
الشبكة الإسلامية
- التصنيفات: فقه الجهاد -
هل يجوز سرقة مال الكفار؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فاعلم أن الشرع قسم الكفار إلى صنفين: محاربين ومسالمين أو معاهدين، والمسالمون أو المعاهدون قسمان: قسم له عهد دائم وهم الذين يعرفون في الإسلام بأهل الذمة.. أي لهم ذمة الله ورسوله والمسلمين.
وقسم له عهد مؤقت وهم المستأمنون.
وأما المحاربون فهم الذين بينهم وبين المسلمين حرب قائمة أو متوقعة، وليس بينهم وبين المسلمين عهد ولا صلح ولكل قسم أحكام تخصه.
فأما المسالمون أهل الذمة فالقاعدة التي تحكم تعاملنا معهم من حيث الجملة هي أن لهم ما لنا وعليهم ما علينا، إلا أشياء مستثناة تنظر في مواضعها.
وبخصوص السؤال هل يجوز سرقة مال الكفار؟ فهذا القسم من الكفار لا خلاف بين علماء المسلمين أن سرقة أموالهم حرام، وأن المسلم إذا سرق من الذمي فإن يده تقطع متى تحققت شروط القطع المعروفة، نقل هذا الاتفاق ابن قدامة في المغني فقال: ويقطع المسلم بسرقة مال المسلم والذمي، ويقطع الذمي بسرقة مالهما. وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه خلافاً. (8/368 المغني)
وكذلك يحرم الكذب عليهم أو خديعتهم أو غشهم.
وأما المعاهدون المستأمنون الذين بينهم وبين المسلمين عهد أو صلح أو هدنة، فمتى تحققت شروط الصلح فيجب علينا الوفاء بكل الالتزامات والعهود، وهذا إجماع لا خلاف فيه، انظر موسوعة الإجماع 1/418
لقول الله تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: 7].
وبالنسبة لحكم سرقة أموال المسـتأمنين، فمن حيث إنها حرام لا إشكال في ذلك، لكن هل تقطع يد المسلم إذا سرق من مستأمن؟ تقطع عند الحنابلة لأنه سرق مالاً معصوماً، وعند الشافعية لا يقطع لأن المستأمن إذا سرق من المسلم أو الذمي لا يقطع، قالوا: لأن المسـتأمن عندما التزم بالأمان لم يلتزم بما يرجع إلى حقوق الله تعالى من الأحكام، وحد السرقة حق الله تعالى غالب فيه ولم يلتزمه المستأمن فلا يقام عليه الحد، أحكام الذميين والمستأمنيين صـ269.
وبقي الصنف الثاني وهم المحاربون: وهؤلاء الأصل فيهم أن دماءهم وأموالهم مباحة للمسلمين، إلا أنه مع ذلك توجد أخلاق تحكم التعامل معهم، فمما يذكره العلماء في هذا الصدد:
ما قاله الإمام الماوردي: وقد أجمع الفقهاء على أنه إذا دخل مسلم دار الحرب بأمان أو بموادعة حرم تعرضه لشيء من دم ومال وفرج منهم؛ إذ المسلمون على شروطهم.
ومن المعروف اليوم أن الدول لا تمنح أي راغب في دخول أراضيها تأشيرة دخول إلا بشرط أن يلتزم بدساتيرها وقوانينها العامة التي تقضي بتحريم السرقة والغش وأكل أموال الآخرين بالباطل والاعتداء وما شابه ذلك. وهذا العرف مقارن لحصول الشخص على التأشيرة بل هو سابق عليه، وحكم الإسلام فيه أنه يجب الوفاء به ولو لمشرك؛ ما لم يتضمن شرطاً فاسداً فيه معصية الله. الأم للشافعي 4/185 نقلاً عن كتاب من فقه الأقليات المسلمة صـ64.
وكذلك إذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان حرم التعرض لماله، وقالت المالكية: يقطع يد المسلم إذا سرق مال الحربي الذي دخل دار الإسلام بأمان، فيقول في حاشية الصاوي على الشرح الصغير: السرقة أخذ مكلف نصاباً فأكثر من مال محترم لغيره، ويدخل في المحترم: مال الحربي الذي دخل بأمان فيقطع سارقه. انتهى الجزء الرابع "السرقة".
وأما سؤالك عن الكذب على الكفار؟ فاعلم أن الكذب حرام سواء على المسلم أو غيره، ولا رخصة فيه إلا ما استثناه الشرع كما جاء في الحديث: « » (رواه مسلم).
قال القاضي عياض: لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور، واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو؟ فقالت طائفة هو على إطلاقه وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة، وقال آخرون منهم الطبري: لا يجوز في شيء أصلا، قالوا: وما جاء من الإباحة في هذا المراد به التورية واستعمال المعاريض لا صريح الكذب، وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه مات إمامكم الأعظم وينوى إمامهم في الأزمان الماضية، أو غداً يأتينا مدد أي طعام ونحو هذا من المعاريض المباحة. 16/158
وقال ابن حزم في كتاب الإجماع: اتفقوا على تحريم الكذب إلا في الحرب ومداراة الرجل امرأته وإصلاح ذات البين ودفع مظلمة مرادة بين اثنين مسلمين أو مسلم وكافر.
والله أعلم.