الحياء من الله تعالى، صُوَره، وأنواعه، وآثاره

منذ 2014-12-11
السؤال:

كيف -يا شيخ- أستحي من الله؟ فالله يراني في الخلاء، وعند قضاء الحاجة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إنه يجب علينا أن نستحي من الله كما نستحي من الرجل الصالح منا، فمَن أستحي منه مِن البشر لا أريده أن يراني على هذه الأوضاع التي ذكرتها سابقاً، فأخجل منه مِن أن يطلع على عورتي ويراني كذلك، ولكن هذا يستحيل مع الله، فكيف أستحي من الله؟ وهل لهذا الحياء ثواب عند الله؟

الإجابة:

الحمد لله

سؤالك أخي الفاضل في محله، وهو يدل على انتباه، ونباهة، فنسأل الله أن يزيدك هدى وتوفيقاً، وأن تكون من حملة العلم والدعاة إلى الله.
وجواباً عليه نقول:

  1. الحياء لغةً مصدر حيي، وهو: تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذمّ، وفي الشّرع: خلق يبعث على اجتناب القبيح من الأفعال والأقوال، ويمنع من التّقصير في حقّ ذي الحق. "الموسوعة الفقهية " (18/ 259).
  2. الحديث الذي ورد في سؤالك هو: عَنْ سَعِيدِ بن يَزِيدَ الأَزْدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: «أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ». (رواه الإمام أحمد في "الزهد"(46)، والبيهقي في "شعب الايمان" ( 6 / 145 ) والطبراني في "المعجم الكبير" ( 7738 )، وصححه الألباني في "الصحيحة" ( 741 )).

قال المناوي –رحمه الله-: " «أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك» قال ابن جرير: هذا أبلغ موعظة وأبْين دلالة بأوجز إيجاز، وأوضح بيان، إذ لا أحد من الفسقة إلا وهو يستحي من عمل القبيح عن أعين أهل الصلاح، وذوي الهيئات والفضل؛ أن يراه وهو فاعله، والله مطلع على جميع أفعال خلقه، فالعبد إذا استحى من ربه استحياءه من رجل صالح من قومه: تجنَّب جميع المعاصي الظاهرة، والباطنة، فيا لها مِن وصية، ما أبلغها، وموعظة ما أجمعها" انتهى. "فيض القدير" (3 / 74).
ولذلك قال بعض السلف: خف الله على قدر قدرته عليك، واستحي منه على قدر قربه منك!!
قال الراغب الأصفهاني -رحمه الله-: "حق الإنسان إذا همَّ بقبيح أن يتصور أجل من في نفسه حتى كأنه يراه، فالإنسان يستحي ممن يكبر في نفسه، ولذلك لا يستحي من الحيوان، ولا من الأطفال، ولا من الذين لا يميزون، ويستحي من العالم أكثر مما يستحي من الجاهل، ومن الجماعة أكثر ما يستحي من الواحد.
والذين يستحي منهم الإنسان ثلاثة: البشر، وهم أكثر من يستحي منه، ثم نفسه، ثم الله تعالى، ومن استحى من الناس ولم يستحي من نفسه: فنفْسه عنده أخس من غيره، ومن استحى منها ولم يستح من الله: فلعدم معرفته بالله، فالإنسان يستحيي ممن يعظمه، ويعلم أنه يراه أو يسمع نجواه، فيبكته؛ ومن لا يعرف الله فكيف يعظمه، وكيف يعلم أنه مطلع عليه؟" انتهى. "الذريعة إلى مكارم الشريعة" ص (289).

3. وما ذكرتَه أخي الفاضل ليس له دخل بالحياء في أصل صورته؛ لأنه لا قضاء للحاجة، ولا جماع، ولا اغتسال إلا بكشف عورة، وهذا أمرٌ معلوم، لكن قد يفعل ذلك بعض من نزع الحياء من قلبه، فتراه يتمشى في البيت وهو عريان! أو يعبث بعورته أثناء قضائه لحاجته، أو تراه يغتسل ولا يبالي بمن يراه من الناس، وهكذا تختلف صور أولئك الذين يقضون حاجتهم، أو يغتسلون بحسب ما في قلوبهم من الحياء.
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، قَالَ: «إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا» ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِياً، قَالَ: «اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ».
(رواه الترمذي (2794) وأبو داود (4017) وابن ماجه (1920)، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي").
وقوله في الحديث: «فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَيَا مِنْهُ» "أَيْ : فَاستتر [يعني: مما أمر الله بالاستتار منه]، طَاعَة لَهُ وَطَلَبًا لِمَا يُحِبّهُ مِنْك وَيُرْضِيه؛ وَلَيْسَ الْمُرَاد فَاسْتَتِرْ مِنْهُ؛ إِذْ لَا يُمْكِن الِاسْتِتَار مِنْهُ جَلَّ ذِكْرُهُ وَثَنَاؤُهُ" قاله السندي في حاشية ابن ماجة.
وقد سئل ابن عباس، رضي الله عنهما، عن قول الله عز وجل: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [هود:5 ]، فَقَالَ: "أُنَاسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ". رواه البخاري (4681).
يعني: أنهم كانوا يكرهون أَنْ يَقْضُوا الْحَاجَة فِي الْخَلَاء وَهُمْ عُرَاة.
كان الصدِّيق يقول: استحيوا من الله؛ فإني أذهب إلى الغائط فأظل متقنعا بثوبي حياءً من ربي عز وجل!!
وكان أبو موسى إذا اغتسل في بيت مظلم لا يقيم صلبه حياء من الله عز وجل. "فتح الباري" لابن رجب (1/ 52).
ولكن هذا قدر زائد، ومكرُمة عالية، لا يؤمر بها كل الناس، والإخلال بمثل هذا المقام، لا يخل بأدب ولا دين، مادام المرء قد حفظ عورته، كما أمره نبيه صلى الله عليه وسلم، وأعطى الحياء حقه؛ فلم يقدم على قبيح في الشرع، ولا مرذول في الأدب والأخلاق.
وللفائدة:
ففي المسألة حديث مشهور، لكنه ضعيف، ينهى عن التعري عند قضاء الحاجة، وعند الجماع، وهو: «إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ؛ فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ» ( رواه الترمذي ( 2800 )، وفيه ليث بن أبي سليم، وكان قد اختلط، وضعفه الألباني في "إرواء الغليل"(64)).
وانظر:

"تجرد الزوجين من الثياب وقت الجماع دون أي غطاء"
"الاستحمام عرياناً؟"
"النوم عارياً".
والله أعلم.

الإسلام سؤال وجواب

موقع الإسلام سؤال وجواب

  • 3
  • 1
  • 21,669

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً