العمل في تنظيف القبور وزرع الورود عليها
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -
أنا أسكن في بلجيكا، أعمل في تنظيف قبور أو أزرع الورود على قُبور دكوفار، هل هذا حرام؟
فالظَّاهِر من كلامِ الأخ السَّائل: أنَّ القبور المذْكورة تعود للكفَّار، فإن كان كذلِك، فلا يَجوزُ العمَل في تنظيفِها، ولا في شيءٍ مما ذكر؛ لوجوهٍ، منها:
الوجْه الأوَّل: أنَّ المشرك لا حُرْمَة له حيًّا ولا ميتًا؛ كما قال ابن بطَّال - رحِمه الله - والحافظ ابن حجر، حيث قال في "الفتح": "وأمَّا الكفرة، فلا حرَج في نبْش قبورهم؛ إذْ لا حرج في إهانتهم".
وقال الشَّوكاني في "السيل الجرَّار": "وأمَّا قبر الحرْبي، فلا حُرْمَة له كما ذكر المصنِّف؛ لما ثبت في كتُب السِّير والحديث: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - جعَل مسْجِدَه على مقبرة كانتْ لِلمشركين بعد أن نبش قبورهم، وهم وإن ماتوا قبل البَعْثة المحمَّديَّة، فقد كانوا مُخاطَبين بإجابة مَن تقدَّم من الأنبِياء - عليْهِم السَّلام".
الوجْه الثَّاني: أنَّ الكفَّار يعذَّبون في قبورِهم، ومِن ثمَّ لا يُشْرَع الدُّخول إليْها؛ إلاَّ على جهة الاتِّعاظ والاعتِبار، حتَّى قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: « »؛ رواه ابن ماجه عن ابنِ عُمَر.
وفي الصَّحيحين عنْه أيضًا قال: مرَرْنا مع رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - على الحجر، فقال لنا رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: « »، ثُمَّ زجر فأسْرع حتَّى خلَّفها.
وفي رواية البخاري: « ».
قال الحافظ ابن حجَر - رحِمه الله - في "فتْح الباري": "فيه الزَّجْر عن السَّكن في ديار المعذَّبين، والإسْراع عند المرور بها".
ويلحق بِمنع دخول مساكنِهم إلاَّ على جهة الاعتِبار دخولُ مقابِرهم؛ بل قد يكون أوْلى بجامع أنَّها مواضع العذاب والسخط، ولَم يخصَّ أهل العِلم النَّهْي بِمساكن ثمود ونحوها؛ بل عمَّموا النَّهي في كل مواضِع العذاب، دنيويًّا كان أو برزخيًّا.
قال القرطبي في التفسير": "... كراهة دخول تِلْك المواضع، وعليْها حمل بعضُ العلماء دخول مقابر الكفار، فإن دخل الإنسان شيئًا من تلك المواضِع والمقابر، فعلى الصِّفَة الَّتي أرْشَد إليْها النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - من الاعتِبار، والخوف، والإسْراع".
الوجْه الثَّالث: ما يُوجَد غالبًا في مقابر المشركين من شعارات الكُفْر؛ كالصلبان وغيرها، فعن عائشة - رضي الله عنها -: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لَم يكُن يترُك في بيتِه شيئًا فيه تصاليب إلاَّ نقضه.
ومعلوم أنَّ العامِل في تلك الأماكن لا يُمْكِنه إنْكار المنكَر، وقد قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: « »؛ رواه مسلم؛ ومن ثمَّ كان الواجب على مَن لم يقوَ على الإنكار مغادرةَ المكان.
الوجْه الرَّابع: أنَّ أهل العلم قد اتَّفقوا على أنَّه يحرم على المسلِم العمل عند الكافِر عملاً فيه إذلال، أو تعظيمٌ للمُشْرِك، وإن كان مباحَ الأصل، كأن يعمل خادمًا عندَه، أو يغسل له ثيابَه، أو يكنس له دارَه، أو يَمسح له الحِذاء، وما شابه، واحتجُّوا بقولِه تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 141]، والظَّاهر أنَّ تنظيفَ قبور المشْرِكين يلحق بتِلْك الأعمال المَهِينة.
قال عُلَماءُ اللَّجنة الدَّائمة:
"إذا وُجد من الكفَّار مَن يقوم بدفْن موْتاهم، فليْس للمسلمين أن يتولَّوا دفنَهم، ولا أن يُشاركوا الكفَّار، ويعاونوهم في دفْنِهم، أو يُجاملوهم في تشْيِيع جنائزِهم؛ عملاً بالتَّقاليد السياسيَّة؛ فإنَّ ذلك لم يُعرف عن رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ولا عَنِ الخُلفاء الرَّاشدين؛ بل نَهى الله رسولَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يقوم على قبر عبدالله بن أبي بن سلول، وعلَّل ذلك بكفْرِه؛ قال تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84].
وأمَّا إذا لم يُوجَد منهم مَن يدفِنه، دفنه المسلمون؛ كما فعل النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بقتْلى بدْر، وبعمِّه أبي طالبٍ لمَّا توفِّي، قال لعليٍّ: « »؛ رواه أبو داود (3214)، والنسائي (190) وصحَّحه الألباني في "سُنن أبي داود".
وعليْه؛ فلا يَجوزُ العملُ في تنظيفِ المقْبرة المذْكورة، ولا غرْس الزُّهور فيها، ولتكُنْ على ثقةٍ أنَّ الرِّزْقَ بيدِ الله - سبحانه - وأنَّ مَن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منْه؛ كما صحَّ عن رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2 - 3]،،
والله أعلم.