رفض نية الصلاة بعد الانتهاء منها

منذ 2014-12-29
السؤال:

السَّلام عليْكم ورحْمة الله وبركاته،
سأَلَتْني أُخْت في الله بقولِها: "كنتُ قد صلَّيتُ السنَّة القَبليَّة لِصلاةِ الظُّهر وأنْهيتُها، ولِظرف طارئ عددتُها في نفْسِي هي الفريضة، ولَم أُصَلِّ فريضة الظُّهر، فهل صلاتِي صحيحة؟".

فوجئتُ بسؤالها وأَجَبْتها أنِّي لم أمرَّ بهذه الحالة قط، وإنَّما غالبًا - بسبَب ظروف عملي - أُصلِّي الفريضة بعد أن أكون نويتُها، ثم بعد أن أُنْهيها أعدُّها سنَّة، وأُعيد صلاةَ الفريضة مرَّة أُخرى، وأُصلِّي السنَّة البعْديَّة.

فما حُكم الحالَتَين؟ بارك الله فيكم.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فمَن صلَّى صلاةً مستكملة الشُّروط والأرْكان وانتفتْ موانعها، فليس له رفْض نيَّة تلك الصَّلاة، أو تَحويلها لِصلاة أخرى؛ لأنَّ الصلاة قد تمَّت بنفْس الفراغ منها، وسقطتِ المُطالبةُ بِها - التَّكليف - بِمجرَّد الفِعل، والحكم بالصحَّةُ أو الفساد ليسا للمكلف؛ وإنَّما لله - تعالى - ورفْعُ الواقِع أو تغيُّره مُحالٌ على المكلَّف؛ إلاَّ أن يأتِيَنا نصٌّ بِذلك، ولا نصَّ في الباب - فيما نعلم.

قال الشَّاطبي في
"الموافقات" (ج 1 / ص 218): "فلو رفض نيَّة الطَّهارة بعد ما أدَّى بها الصَّلاة وتمَّ حُكْمُها، لم يصحَّ أن يُقال: إنَّه يَجب عليه استِئْناف الطَّهارة والصَّلاة، فكذلك مَن صلَّى ثمَّ رفض تلك الصَّلاة بعد السَّلام منها، وقد كان أتى بِها على ما أُمر به، فإن قال به في مثل هذا، فالقاعدة ظاهِرة في خِلاف ما قال".

قال الدردير في
"الشرح الكبير": "(ورفضها)؛ أي: إبْطالها؛ أي: تقديرها مع ما فعل معها باطلاً كالعدم - (مُغْتفر): لا يؤثِّر بطلانًا إن وقع بعد الفراغ منْه، ولا يُغْتفر في الأثناء - على الرَّاجح - وإن كان ظاهر المصنِّف اغتفاره، والغُسْل كالوضوء، بِخلاف الصَّوم والصَّلاة، فيبْطلان برفْضِهما في الأثْناء قطعًا، وفيما بعد الفراغِ قوْلان مرجَّحان".

قال القرافي في
"الفروق": "وأمَّا بالنسبة للرَّفض بعد الفراغ، فلأنَّ الأصْل عدم صحَّته في جَميع العبادات؛ ضرورةَ أنَّ صحَّته حينئذ متوقِّفة على رجوعه للتقدير؛ لأنَّ معناه بعد كمالِها على مشروطِها: قصْدُه ألاَّ تكون عبادة، ولا يترتَّب عليْها حكمُها، من إجزاءٍ، أو استباحةٍ، أو غير ذلك، والواقع يستحيل رفعُه، والتَّقدير لا يُصار إليْه إلا بدليل، والأصْل عدمه، فلزِم ألاَّ يؤثر فيها؛ بل تكون على حُكْمِها لو لم يكن ذلك القصْد.

وخرج عن هذا الأصل خِلافُ الفُقهاء في الصَّلاة والصَّوم، والطَّواف والسَّعي، والاعتِكاف، فمِن هنا نقل صاحب الجمع عن ابن راشد أنَّه قال: "إنَّ القول بعدم تأثير الرَّفض بعد الفراغ من العبادة عندي أصحُّ؛ لأنَّ الفرض يرجع إلى التقدير؛ لأنَّ الواقع يستحيل رفضُه، والتَّقدير لا يصار إليه إلاَّ بدليل، والأصل عدمُه؛ ولأنَّه بنفس الفراغ من الفعل سقط التَّكليف به، ومن ادَّعى أن التَّكليف يرجع بعد سقوطه لأجْل الرفض، فعليه الدَّليل". اهـ، وجرى على هذا الأصْل إجماع الفقهاء على عدم تأثير الرَّفْض بعد فراغ الحجِّ والعمرة والغسل".

هذا؛ وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنَّ رفض النيَّة في أثْناء الصَّلاة مبطل لها، وكذلك الحال فيمَن يقطع النية قبل أن ينتهي من صلاتِه، أو يعزم على قطْعِها، أو يتردَّد بين أن يقطع أو يستمرَّ، وطال تردُّده، أو يأتي بفِعْل يتنافى مع نيَّة الصَّلاة، كما لو سلَّم أو تكلَّم، أو أكل أو شرب، ولأنَّ النيَّة شرط في جَميع الصَّلاة، وقطعها بما سبق مفسد لها.

ومما سبق يتبين أن؛ تحويل تلك الأخت صلاة السنَّة القبليَّة للظُّهر إلى صلاة الفريضة لِظرف طارئ ألمَّ بها - لا يجوز؛ لأنَّها لا تملك تغْيِير الواقع بعد وقوعِه، ولأنَّه بانتهاء الصَّلاة تسقط عنها سنَّة الظُّهر فقط، ويجب عليْها أن تقضي تلك الصلاة.

وكذلك الحال فيمن صلِّت فريضة الظهر، فلا تملك أن تعتبرها سنَّة قبلية للظهر وتعيد صلاةَ الفريضة مرَّة أُخرى، فكل هذا ليس في مقدور الإنسان،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 0
  • 0
  • 14,566

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً