مأخذ الشافعية في ترجيح السجود للسهو قبل السلام
ما هي الأدلة التي استدل بها الشافعي على أن سجود السهو كله يكون قبل السلام؟
نرجو أن نجد عندكم الجواب وبارك الله فيكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فننبهكَ إلى أن مسألة موضع سجود السهوٍ محل خلاف بين العلماء، واختلاف العلماء إنما هو في الأفضل مع اتفاقهم على إجزاء السجود قبل السلام وبعده.
قال النووي في المجموع: وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، يَعْنِي جَمِيعَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ جَائِزٌ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَسْنُونِ وَالْأَوْلَى. انتهى.
والمختار عندنا هو مذهب مالكٍ وبعض الشافعية، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أن السجود إن كان لنقصٍ فمحله قبل السلام، وإن كان لزيادة فمحله بعد السلام.
ومشهور مذهب الشافعية هو أن سجود السهو كله قبل السلام، واستدلوا على ذلك بالأحاديث التي ورد فيها السجود قبل السلام، كحديث ابن بحينة في نسيان النبي صلى الله عليه وسلم التشهد الأول، وأنه سجد قبل السلام، وحديث أبي سعيد في أمر من شك بالبناء على الأقل والسجود قبل السلام، وتأولوا الأحاديث التي فيها السجود بعد السلام على ما ستراه في كلام النووي، وعللوا مذهبهم بأن سجود السهو شُرع لإصلاح الصلاة فكان قبل التحلل منها.
قال الشيرازي في المهذب: وَمَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، وَلِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ فَكَانَ قَبْلَ السَّلَامِ، كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الصَّلَاةِ. انتهى.
وقال النووي في المجموع: وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا وَرَدَّ الْمُجْمَلَ إلَى الْمُبَيَّنِ وَقَالَ: الْبَيَانُ إنَّمَا هُوَ فِي حَدِيثَيْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهُمَا مَسُوقَانِ لِبَيَانِ حُكْمِ السَّهْوِ، وَفِيهِمَا التَّصْرِيحُ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَالِاخْتِصَارُ عَلَى الْأَقَلِّ وَوُجُوبُ الْبَاقِي، وَفِيهِمَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ السَّهْوُ بِالزِّيَادَةِ، وَأَمَّا التَّحَرِّي الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَالْمُرَادُ بِهِ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ.
وَأَمَّا السُّجُودُ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَهُ كَانَ سَهْوًا لَا مَقْصُودًا. قَالُوا: وَلَا يَبْعُدُ هَذَا فَإِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ وَقَعَ فِيهَا السَّهْوُ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، فَهَذَا الْحَدِيثُ مُحْتَمَلٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِبَيَانِ حُكْمِ السَّهْوِ فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى وَفْقِ حَدِيثَيْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَارِدَيْنِ لِبَيَانِ حُكْمِ السَّهْوِ الصَّرِيحَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُمَا وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُمَا وَإِهمالها.انتهى بتصرف.
وبما تقدم يتضح مأخذ الشافعيةِ في المسألة.
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: