زواج النية!!
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: فقه الزواج والطلاق - النهي عن البدع والمنكرات -
السَّلام عليْكم ورحْمة الله،
أمَّا بعد: أنا شابٌّ مسلم - والحمد لله - أخذتُ موقِفًا سلبيًّا من الزَّواج طيلة حياتِي، برَغم ما سمعتُ أو قرأتُ لعلماءَ ودُعاةٍ عن أهمِّيَّة الزَّواج، وقيمته في حفظ النَّفس والدين.
إلى أن تعرَّفت بفتاة بإحدى المدارس منذ سنة وبضعة أشهُر، حيثُ اتَّفقْنا، على أنَّنا متزوِّجان من تاريخٍ مرَّ عليْه حتَّى الآن سنة، طبعًا بالنيَّة فقط، وهكذا التزمتُ - والله يشْهَدُ على أنِّي صادق كلَّ الصِّدْق مع الله - بدَوْرِ الزَّوج المخلص، حتَّى تتحسَّن ظروفي للاستِقْرار ونُكْمِل اجتماعَنا على سنَّة الله ورسولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم.
عائلتي وأصدقائي يعرِفون بالأمر، وكذلِك أمُّها وأخواتها البنات.
حدث نقاش بيْنَنا مؤخَّرًا وقطعتِ الاتِّصال بي، حجَّتُها: أني قاسٍ في التَّعامل معها. (كل هذا عبر الهاتِف فقط).
إلى أن نزل عليَّ خبرٌ كالصَّاعقة من أحد جيرانِها، أنَّها تزوَّجت، وتَخرُج مع أحد الأشْخاص، وقد تأكَّدتُ من مصادر مختلفة.
حاولتُ الاتِّصال بها مئات المرَّات فلا تُجيب، أَرْسلت لها مئات الرَّسائل القصيرة، فاكتفتْ بِجواب في رسالة واحدةٍ، أنَّ الأمر "مجرَّد إشاعة"، هكذا برسالةٍ واحِدة، بعدما كنَّا نتكلَّم كلامًا طويلاً جدًّا، وكم وصفتُ لها حالتِي المزْرية في رسائلي فلم يرقَّ لها إحْساس!
قُمْتُ بِخطوة أخرى، فأرسلتُ أختيَّ، فعاملتهما بنفس الطَّريقة، لا نفْي ولا تأكيد، وعادتا وقد مرغت كرامتهما في التُّراب، هذا باختِصار.
أفيدوني يرحَمكم الله، هل زواجي بِها أصبح باطلاً؟
ستقولون: أين الإشْهار والشُّهود؟ فأقول: أمَّا الإِشْهار من جِهَتي فكلُّ النَّاس يعلمون، وأمَّا الشُّهود، فكفى بالله شهيدًا - سبحانه.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن كان الحال كما ذكرتَ، فما حدث بيْنك وبين تلك المرْأة لا يُعَدُّ زواجًا، وإن سمَّيتَه أنت أو غيرُك به، فمِن المعلوم من دين الإسْلام بالضَّرورة، ومن معالم الشَّرع الحنيف: أنَّ الزَّواج له شروطٌ وأرْكان، لو تخلَّف واحدٌ منْها بطل النِّكاح.
من تلك الشروط: وجود الوليِّ فالمرأة لا تملك أن تزوج نفسها، وإن فعلت فالنكاح باطل؛ لقول النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «
»؛ رواهُ أحْمد وأبو داود.ومنها الشَّهادة عليه، والمقصود شهادة العدول من البشر لا شهادة رب العالمين سبحانه؛ لحديثِ عِمران بن حصين مرفوعًا: «
وولي المرأة: أبوها، ثُمَّ الجَدُّ وإنْ علا، ثُمَّ ابنُها، ثُمَّ ابنُه وإنْ سفل، ثُمَّ أخوها الشَّقيق، ثُمَّ الأخُ لأبٍ، ثم أولادُهم وإن سفلوا، ثُمَّ العمُّ، فالأقْرَب فالأقْرَب في الميراث من عصبةِ المرأة.
ولِمعرفة شروط الولي؛ راجع فتوى: "مَنْ وليُّ المرأة في النكاح".
ومنها المهْر، وراجع فتوى: "حكم زواج السر"، وما أحيل عليْه فيها.
أمَّا كوْن النَّاس يعلمون أنكما اتفقتما على الزواج، فلا يغيِّر من الأمر شيئًا، ولا يجعله نكاحًا شرعيًّا حتَّى تتوفَّر باقي الشُّروط والأركان.
هذا؛ وقد أخبرنا النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - عن استِحْلال بعض الناس للمحارم؛ ولكن بعد تغْيير أسمائِها، وإظهارها في صور تُجعل وسيلةً إلى استباحتها، فيسمَّى كلٌّ منها بغير اسمِها، ويُستباح الاسم الذي سمي به.
قال البخاري في صحيحه: باب ما جاء فيمَنْ يستحلُّ الخمْر ويسمِّيه بغير اسمه، وقال هشام بن عمار: حدَّثنا صدقة بن خالد، حدَّثنا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، حدَّثنا عطيَّة بن قيس الكلاعي، قال: حدَّثني عبدالرَّحمن بن غَنْم الأشعري، قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشْعري - واللهِ ما كذبني - سَمِع النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: « ».
وروى أبو داود وابن ماجه مرفوعًا: « » ، وفي رواية عند ابن ماجه: « ».
وفي "الزهد" لابن المبارك، من حديث علي: « ».
فدلَّت تلك الأحاديث وغيرها أنَّ أناسًا يبدِّلون الأسْماء ليبدلوا بذلك حُكمها، وأن الاعتِبار بالمسمَّى لا بما اصطلح النَّاس عليه من اصطِلاحات مخالفة للحقيقة، وأنَّ التسمية والحيلة لا تَجعلان الحرام حلالاً ألبتة، قال ابن العربي: هو أصْلٌ في أنَّ الأحكام إنَّما تتعلَّق بمعاني الأسْماء لا بألقابِها،،
والله أعلم.