كفَّارة تكْرار الجماع في الحيض
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: أحكام النساء - فتاوى وأحكام -
السلام عليكم،
خلال 4 سنوات من الزَّواج لَم أتَمالك نفْسي وجامعْتُ زوْجتي وهي حائض 5 مرَّات، وقد كانتْ زوْجتي لا تُوافقني إلا أنني كنت أحتال عليْها وأجبِرُها على ذلك.
إنِّي لم أكن أعلم شدَّة تَحريم جِماع الحائض، وأنَّه من الأمور شديدة التحريم، ولقد علمت مؤخَّرًا بعد أن أعدت ارْتكاب نفس الإثْم أنَّ التَّوبة تستوْجِب الكفَّارة، وهي من 0.5 إلى 1 مثقال ذهب.
إنِّي تبت إلى الله من هذا الذنب، ولكن كوْنِي لَم أكُن أعلم بعِظَم هذا الذنب وكفَّارته الماليَّة، هل يُعْفِيني من دفْع الكفَّارة؛ لأني لَم أكن أعلم، ولأنَّ حالتي المادِّية صعْبة؟
- وإن كان عليَّ أن أدفع الكفَّارة، فهل أدفع عن آخِر مرَّة ارْتَكبت فيها هذا الذنب، أم عن المرَّات السَّابِقة أيضًا؟
- هل على زوجتي دفْع الكفَّارة أيضًا، علمًا أنَّها كانت تُمانع إلا أني كُنْت أجْبِرها على ذلك؟
أفتونا يرحَمكم الله.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ إتْيان المرْأة في المَحيض محرَّم بالنَّصِّ وإجْماع العُلماء، وكبيرةٌ من الكبائِر ؛ قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222].
وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: « »؛ رواه التِّرمذي عن أبي هُرَيْرة.
وكان - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذا أراد أن يُباشِر امرأةً من نسائِه وهي حائض، أمرها أن تأتَزِر ثمَّ يباشرها؛ كما رواه البُخاري عن ميمونة. والمباشرة: هي أن يقضي حاجته من زوجته بغير جماع.
وعن مُعاذ بن جبل - رضِي الله عنْه -: أنَّه سأل رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ما يَحل للرَّجُل من امرأته وهي حائض؟ قال: « »؛ رواه أبو داود.
وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: « »؛ رواه مسلم.
ولمزيد فائدة؛ راجع الفتوى: "حكم المداعبة أثناء الدورة"، "المداعبة بين الزوجين".
أمَّا وُجوب الكفَّارة، فالجُمْهور من الحنفيَّة والمالكيَّة والشَّافعيَّة، ورواية عن الإمام أحمد، على أنَّه لا شيءَ عليْه إلاَّ التَّوبة؛ لأنَّ الأصل براءة الذمَّة، ولا ينتقل عنْها إلاَّ بدليل، ولأنَّه وطء حرِّم للأذى، فلم تتعلَّق به الكفَّارة، كالوَطْء في الدبر.
وذهب الإمام أحمد في الرِّواية الأخرى إلى وجوبِ الكفَّارة عليه؛ لِما روى أبو داود والنَّسائي عن ابنِ عبَّاس: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال في الذي يأتِي امرأتَه وهي حائض: «
والحديث مُختلف في تصحيحِه وتضعيفِه، فضعَّفه النَّووي وابنُ الصَّلاح، وأعلَّه الحافِظ ابن حجر بالاضطِراب، وصحَّحه ابن دقيق العيد وابن القطَّان.
قال الإمام النَّووي في شرح مسلم: "فاعلم أنَّ مباشرة الحائض أقسام، أحدها: أن يُباشِرها بالجماع في الفرج، فهذا حرام بإجماع المسلمين، بنصِّ القرآن العزيز والسنَّة الصحيحة، قال أصحابُنا: ولوِ اعتقد مسلم حلَّ جِماع الحائض في فرْجِها، صار كافِرًا مرتدًّا، ولو فعله إنسان غير معتقِدٍ حلَّه، فإن كان ناسيًا أو جاهلاً بوجود الحيض، أو جاهِلاً بتحريمه، أو مُكْرَهًا - فلا إثْم عليْه، ولا كفَّارة.
وإن وطِئَها عامدًا عالمًا بالحيض والتَّحريم مختارًا، فقدِ ارتكب معصية كبيرةً، نصَّ الشَّافعي على أنَّها كبيرة، وتَجِب عليْه التَّوبة، وفي وجوب الكفَّارة قولانِ للشَّافعي، أصحُّهما - وهو الجديد - وقول مالك وأبي حنيفة، وأحْمد في إحدى الروايتينِ، وجماهير السَّلف: أنَّه لا كفَّارة عليه، وممَّن ذهب إليْه من السَّلف: عطاء وابن أبي مليْكة، والشَّعبي والنَّخعي، ومكحول والزُّهري، وأبو الزناد وربيعة، وحماد بن أبي سليمان وأيوب السخْتياني، وسفيان الثوري واللَّيث بن سعد - رحِمهم الله تعالى أجْمعين - والقول الثَّاني - وهو القديم الضَّعيف -: أنَّه يجب عليْه الكفَّارة، وهو مرْوي عن ابن عبَّاس والحسن البصْري وسعيد بن جبير، وقتادة والأوْزاعي وإسحاق، وأحمد في الرِّواية الثَّانية عنه.
واختلف هؤلاء في الكفَّارة؛ فقال الحسن وسعيد: عتق رقبة، وقال الباقون: دينار أو نصف دينار، على اختِلاف منهم في الحال الَّذي يجب فيه الدينار ونصف الدينار، هل الدينار في أوَّل الدم، ونصفه في آخره؟ أو الدينار في زمن الدَّم، ونصفه بعد انقطاعه؟ وتعلَّقوا بحديثِ ابن عبَّاس المرْفوع: « »؛ وهو حديث ضعيف باتِّفاق الحفَّاظ، فالصَّواب أن لا كفَّارة". اهـ.
والرَّاجح: عدَم وجوب الكفَّارة، وعلى مَن فعل ذلك أن يتوب إلى الله توبةً صادقة، وأن يكثر من أعمال الخير؛ عسى الله أن يتوب عليه،،
والله أعلم.