حكم التربة المختلطة بسمادٍ نجسٍ، وحكم الصلاة عليها
- التصنيفات: فقه العبادات - فقه الصلاة -
هل تعتبر التربة المكونة من سماد روث الحيوانات طاهرة؟ وهل تجوز الصلاة على الأسمدة المكونة من روث الخنازير؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
روث وبول الحيوان قسمان:
القسم الأول: بول وروث الحيوان الذي يجوز أكل لحمِه، وشرب لبنه كالغنم والبقر.
فقد ثبت في السنة ما يدل على طهارة هذه الأبوال والأوراث، ومن ذلك:
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «البخاري:234، ومسلم:524).
» (وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: " قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ، وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا" (البخاري:233، ومسلم:1671).
اجتووا المدينة: لم توافقهم الإقامة فيها، ولم يوافقهم طعامها.
واللِّقاح: الإبل الحلوب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" أما بول ما يؤكل لحمه، وروث ذلك، فإن أكثر السلف على أن ذلك ليس بنجس، وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهما ويقال: إنه لم يذهب أحد من الصحابة إلى تنجيس ذلك؛ بل القول بنجاسة ذلك قول محدث لا سلف له من الصحابة. وقد بسطنا القول في هذه المسألة في كتاب مفرد، وبينا فيه بضعة عشر دليلا شرعيا، وأن ذلك ليس بنجس" انتهى من (مجموع الفتاوى: 21 / 613).
وبناء على هذا، فالسماد المأخوذ من روث هذه الحيوانات طاهر، ويجوز الصلاة على الأرض المختلطة به، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في مرابض الغنم، وهي لا تخلو من أرواثها وأبوالها.
القسم الثاني: روث وبول مالا يُؤكَل لحمُه كالحمار والخنزير، وهو نجس عند جماهير العلماء.
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" وأمّا العذرات وأبوال ما لا يؤكل لحمه، فقليل ذلك وكثيره رجسٌ نجس عند الجمهور من السلف، وعليه جماعة فقهاء الأمصار" انتهى من (الاستذكار: 3 / 205).
وقال ابن القطان رحمه الله تعالى:
"ولا أعلم في تنجيس بول الخنزير خلافًا " انتهى من (الاقناع في مسائل الإجماع: 1 / 110).
وهذا الروث النجس له حالتان:
الأولى: أن يكون باقيا على حالته بلا تغيير.
فالأرض المختلطة به نجسة، لا تجوز الصلاة عليها، لأن من شروط صحة الصلاة طهارة المكان الذي يُصَلَّى عليه.
قال ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى:
"وأجمع العلماء على غسل النّجاسات كلّها من الثّياب والبدن وألّا يصلّى بشيء منها في الأرض، ولا في الثّياب" انتهى من (الاستذكار: 3 / 205).
الحالة الثانية: أن يتم تصنيع السماد من هذا الروث، فيتحول الروث إلى مادة أخرى ويذهب الخبث الذي فيه، كالرائحة، ويصير طيبا لا خبث فيه، وهذا ما يعرف عنه العلماء بـ (الاستحالة). أي: تحول المادة النجسة إلى مادة أخرى، والصحيح من أقوال العلماء أن النجاسة إذا تحولت إلى مادة أخرى فإنها تطهر.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية اختلاف العلماء في طهارة الشيء النجس بالاستحالة ، فكان مما قال:
"والقول الثاني: وهو مذهب أبي حنيفة، وأحد قولي المالكية وغيرهم، أنها لا تبقى نجسة. وهذا هو الصواب، فإن هذه الأعيان لم يتناولها نص التحريم لا لفظا ولا معنى، وليست في معنى النصوص، بل هي أعيان طيبة فيتناولها نص التحليل" انتهى من (مجموع الفتاوى: 21 / 610 – 611).
ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن هذا الروث النجس إذا مرت عليه مدة وتحول إلى تراب، فإنه يطهر بذلك، ويكون هذا التحول كافيا للحكم عليه بالطهارة.
فإنه قد سئل: عَنْ اسْتِحَالَةِ النَّجَاسَةِ كَرَمَادِ السِّرْجِينِ (الروث) النَّجِسِ، وَالزِّبْلِ النَّجِسِ تُصِيبُهُ الرِّيحُ وَالشَّمْسُ فَيَسْتَحِيلُ تُرَابًا. فَهَلْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ:
"وَأَمَّا اسْتِحَالَةُ النَّجَاسَةِ، كَرَمَادِ السِّرْجِينِ النَّجِسِ وَالزِّبْلِ النَّجِسِ يَسْتَحِيلُ تُرَابًا فَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد. أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ طَاهِرٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الرَّاجِحُ" انتهى من (مجموع الفتاوى : 21/479).
وخلاصة الجواب: أن هذا الروث النجس إن بقي على حالته بلا تغير فهو نجس ولا تجوز الصلاة على الأرض المختلطة به، وإن كان قد تحول إلى مادة أخرى، وزال عنه الخبث الذي فيه فهو طاهر وتجوز الصلاة على الأرض المختلطة به.
والله تعالى أعلى وأعلم .