طلب الخلع في بلاد الغرب
السَّلام عليْكم ورحْمة الله وبركاته،
أخي، لا أعرف كيف أبدأ بالسؤال، لكن أخت مسلمة تطلُب الخُلْع من زوجِها، وهي تُقيم في قبرص وهو يُقيم في بريطانيا، مع العلم أنَّه قاطعها أكثر من سنة ونصف دون مصروف أو أية نفقات أو حتَّى اتِّصال.
مع العلم بوجود بنتَين: واحدة في 12، والثَّانية في 7 تقريبًا، وهي تُعاني من مشكِلة العمل؛ لأنَّها محجَّبة، والمحجَّبات قلَّة في البلد، وكان قد مشَى بالموضوع مسؤول أحد المراكز الإسلاميَّة في بريطانيا، وبعد ذلك تخلَّى عن الأمر؛ لأنَّه كان يشرط عليْها شروطًا ليستْ شرعيَّة، المهم أنَّه لا توجد جهة مسلمة تستطيع أن تُنهي الأمر هنا.
ومن أسباب طلب الخلع أنَّه غير ملتزم، ولا حتَّى بالصَّلاة، وقد هدى الله الأخت للإسلام وتَحجَّبت ولبِست لباسًا شرْعيًّا هي وبناتها، ومِن الأسباب أيضًا أنه لا يعمل، وهي التي تصرِف على البيت، وأيضًا أنَّها لا تريد أن تعيش معه؛ لأنَّها لا ترى فيه سمات الرُّجولة، على حسب قولها.
فما هو الحل الشَّرعي لهذه المسألة؟ وكيف يتمّ الخلع؟ مع العلم أنهما لا يعيشان معًا منذ سنوات، وقد تركها أكثر من سنة ونصف دون أي شيء.
وجزاكم الله خيرًا.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن كان الحال كما ذكرت، فإنَّه لا يجوز التَّحاكُم للمحاكم الوضعيَّة الموجودة في تلك البلاد، والتي لا تحكم بشرْع الله في أي شأن من شؤون حياتِهم، ومنها الأحوال الشخصيَّة - الحياة الزوجيَّة - ولذلك فعلى تِلْك الزَّوجة أن تطرح مشكلَتها على أيّ مراكز إسلاميَّة في البلد الذي تعيش فيه، إن كانت هذه المراكز مشتمِلة على علماء في الشَّريعة، قادرين على الحكم في تلك القضايا، وتنظر في أسباب الخلع، وإذا ثبتتْ عندها الأسباب الموجِبة للطَّلاق أو الخلع، فإنَّها تحكم به، وعلى الزَّوجَين أن يرضَيَا بما تحكم به؛ لأنَّه صادر من جهة موثوقة.
وإذا لم يقبل أحدُ الطَّرفين بالحكم، أو لم يكُن هناك مركز إسلامي أصلاً، أو ما شابه - فيُمكن للزَّوجة أن ترفع القضيَّة للمحكمة الوضعيَّة؛ لإزالة الضَّرر عنها؛ لأنَّ علماء العصْر - ومنهم الشيخ ابن عثيمين - أجازوا التَّحاكُم لتلك القوانين عند الاضطِرار؛ لرفع الظلم، شرط أن يتحاكم إليْها وهو كاره، مضطرّ إلى ذلك، وأن يأخُذ حقَّه فقط، ولا يزيد عليه.
فالأصل: أنَّه لا يجوز للمسلم أن يتحاكم لغير حكم الله؛ قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65].
والحكم بغير ما أنزل الله كُفر وظلم وفسق، وقد اتَّفق أهل العلم على أنَّه يحرم التَّحاكم إلى قاضٍ غير مسلم، وإلى حكم غير الإسلام.
إلاَّ أنَّه إن كان المسلم يعيش في بلدٍ يَحكم بقوانين وضعيَّة، سواءٌ كان من بلاد الإسلام أم غيرها، فإنِ اضطرَّ لأن يتحاكم إليْهم، جاز للضَّرورة؛ فالحاجة تنزل منزلة الضَّرورة، والضَّرورات تبيح المحظورات؛ قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، طالما الظُّلم لا يندفع إلاَّ بهذه الطريقة.
هذا؛ وقد أجاز أهل العِلْم للمرأة طلبَ الخُلع عند تضرُّرها من زوْجِها؛ قال الإمام ابنُ قدامة - رحمه الله -: "وجملة الأمر: أنَّ المرأة إذا كرهت زوجَها؛ لخُلقه أو خَلْقه، أو دينِه أو كبره، أو ضعفه أو نحو ذلك، وخشِيت ألاّ تؤدِّي حقَّ الله - تعالى - في طاعته، جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسَها منه؛ لقول الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]". اهـ.
وإن كنَّا ننصح تلك الزَّوجة بالعوْدة لبلاد الإسلام؛ لتستطيعَ أخْذ حقِّها الشَّرعي في الخلع.
وننبِّه السَّائل الكريم، أنَّه لا يجوز الإقامة في بلاد الكفر من غير ضرورة أو حاجة، كما سبق بيانُه على موقعنا،،
الله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: