المسابقات بعِوَض
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: فقه المعاملات - فتاوى وأحكام -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ما حكم اتفاق مجموعة من الرياضيين على إنقاص أوزانهم، على أن يدفع كل واحد منهم مبلغًا معيَّنًا، وبعد مدة زمنية معينة يقومون بوزن أنفسهم،ومن يفقد أكبر عدد من الكيلوجرامات، يفُز بالمبلغ كاملاً.
وجزاكم الله خيرًا.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن المسابقات بعِوَض جائزة بشرطين:
الأول: أن يكون المال المدفوع في المسابقة تبرَّع به شخصٌ غير المتسابقِين، أو جعله أحدُ المتسابقين للفائز؛ مثل أن يقول: "من سبقني، فهذا المال له، وإن سبقتكم، فلا شيء لكم"، أو تبرَّع بالمال جماعةٌ من المتسابقين، بشرط أن يكون معهم آخر، أو آخرون، يأخذون المال إن سَبقوا، ولا يغرمون إن سُبِقوا، وهو ما يسميه الفقهاء: "المحلّل"؛ كما في "المغني" لابن قدامة.
ويشترط في المحلّل: أن يكون كُفأً لهما، وفرسه ندّاً لفرسيهما، أو بعيره لبعيريهما، أو رميُه رميَيْهما، حتى لا يكون المحلل مجرد صورة للتحايل على القمار.
فإن سبق المحلل، أخذ الجائزة، وإن كان السابق أحدَهما، أخذ ماله ومال صاحبه، ولا يأخذ من المحلِّل شيئًا.
فإذا أمن المتسابقون أن المحلِّل سيُسبق، فهو قمار؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «
»؛ رواه أحمد وأبو داود، وابن ماجه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه.الشرط الثاني: أن تكون المسابقة فيما يجوز السبق فيه، كسباق الإبل، والخيل، والرمي بالسهم، ويقاس عليها كلُّ ما يصلح للجهاد أو يُعِين على أمور القتال، كالمسابقات البدنية (ألعاب القوى)؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «
»؛ رواه أبو داود وغيره.ومعنى الحديث: أنه لا يحلُّ أخذ المال بالمسابقة إلاَّ في خفٍّ - أي: للبعير - أو حافر - أي: للخيل - والنصل: السهم، وإنما خصَّ هذه بالجواز؛ لأنها من عُدَّة الحرب، ومن أسباب القوة، وقد ألحق كثير من أهل العلم غيرها وما في معناها؛ كالمسابقة على البغال أو الحمير، أو المسابقة على الأقدام، ويدخل فيه اليومَ المسابقةُ على أنواع الأسلحة المستخدمة في القتال.
كذلك ألحقوا المسابقات العلمية، التي يستعان بها على نشر الدين وإقامته وإعلاء شأنه؛ كمسابقات حفظ القرآن الكريم، والسنَّة المطهَّرة، وغيرها من العلوم النافعة.
ومما سبق يتبين أن الصورة المذكورة في السؤال لا تجوز من جهتين:
الأول: أن هذا النوع من السباق ليس من المنصوص عليه ولا في معناه، فلا يلحق به، وليس فيه منفعة دينية.
الثاني: أنه من القمار والميسر المحرَّم؛ الذي هو دفع مال على سبيل المخاطرة بين الغُنْم والغُرْم؛ ولعدم وجود محلل، أو متبرع بالجائزة، فيدخل في عموم قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90].
ولكن قد يقال: لو أن هؤلاء الرياضيين قاموا بتلك الحِمية؛ تقويةً لأجسادهم، وإصلاحًا لأبدانهم؛ ليسهل عليهم القيام بواجبات الدين المختلفة، وللتقوي على القتال في سبيل الله، وغير ذلك من الأمور المشروعة -: فيدخل في السبق الجائز، ولكن بشرط أن يتبرع بالجائزة أحد المتسابقين، وليس جميعهم ليكون بينهم محلل، أو يتبرع بالجائزة أحد سواهم،،
والله أعلم.