حكم الانتقال من مذهب إلى آخر بلا سبب؟
هل يمكن أن أصلى بطرق مختلفة؟ مثلا في بعض الأحيان أصلى على طريقة الشافعية، وأحيانا بطريقة الحنفية، طريقة المالكية وطريقة الحنبلية؟ هل يجوز أن نصلي بمثل هذا؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
اختلاف المذاهب في أنواع التعبدات، ومنها: بعض أفعال الصلاة، يمكن أن نجعله على قسمين:
القسم الأول: اختلاف بين المذاهب راجع لتنوع الصفات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية أداء هذا الفعل ، وكل مذهب التزم بصفة ما، كالتشهد مثلا، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بعدة كيفيات.
ففعل المسلم في كل مرة لتشهد من هذه التشهدات لا بأس به؛ إذا علم أنها كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقصد بهذا التنويع اتباع السنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"الْعِبَادَاتِ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْوَاعٍ يُشْرَعُ فِعْلُهَا عَلَى جَمِيعِ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ لَا يُكْرَهُ مِنْهَا شَيْءٌ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْوَاعِ التَّشَهُّدَاتِ وَأَنْوَاعِ الِاسْتِفْتَاحِ وَمِثْلُ الْوِتْرِ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَآخِرَهُ وَمِثْلُ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَالْمُخَافَتَةِ وَأَنْوَاعِ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا وَالتَّكْبِيرِ فِي الْعِيدِ وَمِثْلُ التَّرْجِيعِ فِي الْأَذَانِ وَتَرْكِهِ وَمِثْلُ إفْرَادِ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَتِهَا" انتهى من (مجموع الفتاوى:22/335).
القسم الثاني: أن يكون الاختلاف بين المذاهب - في فعل ما - ليس راجعا لثبوت تنوع عن النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية أداء هذا الفعل، وإنما هو راجع لاختلاف العلماء في فهم النصوص وكيفية الاستدلال.
و الحق في أمثال هذه المسائل واحد لا يتعدد.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في (منهاج السنة النبوية: 6/27 - 28 ):
" والناس متنازعون: هل يقال كل مجتهد مصيب؟ أم المصيب واحد؟
وفصل الخطاب: أنه إن أريد بالمصيب: المطيع لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ فكل مجتهد اتّقى الله سبحانه ما استطاع فهو مطيع لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهذا عاجز عن معرفة الحق في نفس الأمر، فسقط عنه.
وإن عني بالمصيب: العالم بحكم الله تعالى في نفس الأمر، فالمصيب ليس إلا واحدا، فإن الحق في نفس الأمر واحد.
وهذا كالمجتهدين في القبلة، إذا أفضى اجتهاد كل واحد منهم إلى جهة، فكلّ منهم مطيع لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والفرض ساقط عنه بصلاته إلى الجهة التي اعتقد أنها الكعبة، ولكن العالم بالكعبة، المصلّى إليها في نفس الأمر: واحد" ا.ه.
وحيث كان الحق واحدا، فعلى المسلم أن يجتهد في معرفة حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قدر وسعه، فإن لم يكن من أهل الاجتهاد، إما دائما كما هو حال العوام، وإما في مسألة معينة، أو في حال معينة، كما قد يعرض للمجتهد، وعجز عن بلوغ الحق بنفسه: اتبع العالم الذي يثق في علمه ودينه.
ومن كان فرضه التقليد، فالتزم بمذهب عالم يثق في علم علمائه ودينهم؛ فلا يصح له أن يتركه وينتقل إلى مذهب آخر بلا سبب أو عذر شرعي.
ففي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى:20 / 220 - 221 ):
" سئل شيخ الإسلام أن يشرح ما ذكره نجم الدين بن حمدان: من التزم مذهبا أنكر عليه مخالفته بغير دليل ولا تقليد أو عذر آخر؟
فأجاب: هذا يراد به شيئان:
أحدهما: أن من التزم مذهبا معينا ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه، ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك، ومن غير عذر شرعي يبيح له ما فعله؛ فإنه يكون متبعا لهواه، وعاملا بغير اجتهاد ولا تقليد، فاعلا للمحرم بغير عذر شرعي، فهذا منكر. وهذا المعنى هو الذي أورده الشيخ نجم الدين، وقد نص الإمام أحمد وغيره على أنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجبا أو حراما ثم يعتقده غير واجب ولا حرام بمجرد هواه ...
وأما إذا تبين له ما يوجب رجحان قول على قول، إما بالأدلة المفصلة إن كان يعرفها ويفهمها، وإما بأن يرى أحد رجلين أعلم بتلك المسألة من الآخر، وهو أتقى لله تعالى فيما يقوله، فيرجع عن قول إلى قول لمثل هذا، فهذا يجوز بل يجب وقد نص الإمام أحمد على ذلك" ا.ه.
وقد سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
هل يجوز للمسلم أن ينتقل من مذهب لآخر؟ مثل أن يتبع المذهب المالكي مرة، والمذهب الحنبلي مرة أخرى، ثم يعود إلى المالكي.
فأجابت:
" يجب على المسلم أن يعمل بما دل عليه الدليل، من الكتاب والسنة، سواء وافق المذهب الذي ينتسب إليه، أو لم يوافقه؛ لقول الله عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} الآية من سورة النساء. ولا يجوز له أن ينتقل من مذهب إلى مذهب لمجرد هواه؛ للآية المذكورة، ولقول الله سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} الآية من سورة الشورى.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
بكر أبو زيد، عبد العزيز آل الشيخ، صالح الفوزان، عبد الله بن غديان، عبد العزيز بن عبد الله بن باز" انتهى من (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: 12 / 96).
والله تعالى أعلى وأعلم.
- التصنيف:
- المصدر: