هل يجوز قتْل أختي؟
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
أرسل هذه الرّسالة لأني أريد قتْل أختِي البالِغة من العمر 22 سنة؛ لأنَّها:
لا تصلي.
كثيرة الكذِب.
تتكلَّم مع أشخاصٍ ليسوا من الأهل.
تلبَس لباسًا ضيِّقًا.
تَخرج مع أشخاص تقول: إنَّهم أصدقاء أو زُملاء الدِّراسة، مع العِلم أنَّها خرجت من الدِّراسة قبل 4 سنوات.
تتكلَّم في الهاتِف طوال الليْل مع أناس كلامًا محرَّمًا.
والمشكلة: والِداي لا يفعلان شيئًا، وكلَّما حاولْتُ التَّكلُّم في الموضوع سواء معها أو مع والديَّ أُصبحُ الأخَ العنصريَّ المتشدِّد، الَّذي يكْره أختَه أو يريد الشماتة بها.
أعيش مع هذه المشكِلة منذ 5 سنوات، إلى أن نفِد صبْري؛ لأنِّي تأكَّدتُ أنَّه لا يُمكن نَهيُها؛ لذلِك قرَّرتُ قتْلَها بالسُّمِّ دفاعًا عن شرَف العائِلة.
فهل يَجوز ذلك أم أنِّي سأعيش طوالَ حياتي مع "الفاسِدة"؟
دمتم ودُمنا للعمل الصَّالح، والسَّلام.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّه لا يَجوز لك مطْلقًا قتْلُ أُخْتِك، رغْم ما ذكرتَه من جرائمَ شنيعة، ومنكراتٍ قبيحة، وأفعال شائنة، إلاَّ أنَّها لا تُبيح قتْل النَّفس بغير حقّ، الَّذي هو من أكبر الكبائر؛ قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151]، وقال: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93].
وقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: « »؛ رواه البخاري من حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنْهما.
وفي الصَّحيحين عن ابن مسعود - رضي الله عنْه - قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: « ».
وجميع هذه الثلاثة يعود تنفيذها للحاكم.
وإنَّما الواجب عليْك هو الاستِمْرار في النُّصح والتَّوجيه والإرشاد، ومُحاولة نَهْيِها عن المنكَر قدْر استطاعتِك، وتَجفيف منابع الفساد المحيط بِها، بإِبْعادِها عن هاتفٍ وغيرِه ممَّا تستخْدِمه في الفساد.
وما ننصحُك به هو الاستِمْرار في دعوة أختكَ للخير، وعدم اليأْس منها، مع بذْل الوسع، وأعْظم ما تستعينُ به في الصَّبر على أختك هو تدبُّر ما قصَّه الله عليْنا في كتابه العظيم من سُننِه - سبحانه - في ابتِلاء الدَّاعي للخير والحقّ بِمَن يدعوهم إليه.
فذكر - سبحانه وتعالى - الفتنة بالأذَى، والفتنة بالقَرابة، والفتنة بالإغْواء والإغْراء، فتجد ألوانًا من الفتن، والصّعاب والعقبات، في طريق الدَّعوة إلى الله والصبر على عباده، وتأمَّلْ - رعاك الله - قصة نبي الله نوحٍ - عليه السَّلام - حيثُ تتبدَّى ضخامةُ الجهد وضآلة الحصيلة، فقد لبِث في قومِه ألفَ سنةٍ إلاَّ خَمسين عامًا يدعوهم إلى التَّوحيد، وينْهاهم عن الشِّرْك، ويُبدي فيهم ويُعيد سرًّا وجهارًا، وليلاً ونهارًا، ثمَّ لم يؤمِنْ له إلاَّ القليل؛ كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت: 14].
وهذا خليل الرَّحمن إبراهيم - عليه السَّلام - مع قومه، حيث يتبدَّى سوءُ الجزاء وطغيان الضَّلال في مُقابِل كلِّ مُحاولاتِه لهدايتهم، وجادلهم بالحجَّة والمنطق: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} [العنكبوت: 24].
وفي قصَّة لوط يظْهر تبجُّح الرَّذيلة وسفورُها بلا حياء، مع الاستهْتار بالنذير؛ {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [العنكبوت: 29].
ولكنَّ الباطل - مهْما علا واستطال - أوْهَن من بيت العنكبوت.
قال الشَّيخ السَّعدي في تفسيره: "إنَّ اللَّه أرسل عبدَه ورسولَه نوحًا - عليْه الصَّلاة والسَّلام - إلى قومِه، يدعوهم إلى التَّوحيد وإفراد اللَّه بالعبادة، والنَّهي عن الأنداد والأصنام؛ {فَلَبِثَ فِيهِمْ} نبيًّا داعيًا {أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} وهو لا يَنِي بدعوتِهم، ولا يفتر في نصحهم، يدعوهم ليلاً ونهارًا، وسرًّا وجهارًا، فلم يرشدوا ولم يهتدوا، بل استمرُّوا على كُفْرِهم وطغيانِهم، حتَّى دعا عليْهِم نبيُّهم نوح - عليْه الصَّلاة والسَّلام - مع شدَّة صبرِه وحِلْمه واحتِماله، فقال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]، {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ}؛ أي: الماء الَّذي نزل من السَّماء بكثرة، ونبع من الأرض بشدَّة {وَهُمْ ظَالِمُونَ} مستحقُّون للعذاب.
هذا؛ ولتعلم أنَّ إقامة الحدود موكولة إلى الحاكم، أو مَن يقوم مقامه، لا إلى آحاد النَّاس، وهذا أمر بَدَهيٌّ؛ حتَّى لا تعمَّ الفوضى، وتنتشِر المفاسد والفتن العظيمة.
فإن أمر الحدود يفتقِر لدقَّة في الإثبات، لا تتحقَّق على الوجْه الشَّرعيّ إلاَّ بأن يختصَّ بذلك وليُّ الأمر أو مَن يقوم مقامه، فكيف بالقتْل الذي هو عدوانٌ محض، وظلمٌ بيِّن؟! كمَن قتَل الزَّانيَ البِكْر مع أنَّ الله - تعالى - أمر بِجلْده ونفيه عامًا ولم يأمر بقتْلِه،،
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: