معنى قوله تعالى: {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِين}
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: التفسير - اللغة العربية -
أعوذ بالله من الشَّيطان الرجيم: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 61].
السؤال: هو يُؤمن بالله وهذه نعلمها، وهي الإيمان بالله، ولكن ما هو الإيمان للمؤمنين؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقوله تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 61].
نزلتْ في المنافقين، وكانوا يؤْذون رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويَعيبونه بأنَّه يَسمع من كلِّ أحدٍ ما يقول فيقبله ويصدِّقه.
قال شيخ المفسِّرين أبو جعفر الطَّبري: "وهذا تكذيبٌ من الله للمُنافقين الَّذين قالوا: "محمَّد أُذُن"، يقول جلَّ ثناؤه: إنَّما محمَّد - صلَّى الله عليْه وسلَّم - مستمعُ خيرٍ، يصدِّق بالله وبِما جاءه مِن عنده، ويصدِّق المؤمنين، لا أهل النفاق والكفْر بالله".
فمعنى "يؤمن للمؤمنين"؛ أي: يصدِّق المؤمنين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية "والإيمانُ، وإنْ تَضَمَّنَ التَّصْديقَ، فليْسَ هُو مُرادفًا لهُ، فلا يُقالُ لِكُلِّ مُصدِّقٍ بِشَيءٍ: إنَّهُ مُؤْمِنٌ بِه، فلوْ قالَ: أنا أُصَدِّقُ بأنَّ الواحِدَ نِصْفُ الاثْنيْنِ، وأنَّ السَّمَاءَ فَوْقَنا والأرْضَ تَحْتَنَا، ونَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُشاهِدُه النَّاسُ ويَعْلَمُونَه - لم يُقَلْ لِهذا: إنَّهُ مُؤْمِنٌ بِذلكَ؛ بَل لا يُستعْمَلُ إلاَّ فِيمَن أخْبَرَ بِشَيءٍ مِن الأمُورِ الغَائِبةِ؛ كَقَوْلِ إخْوةِ يُوسُفَ: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: 17]، فإنَّهُمْ أخْبَرُوهُ بِما غَابَ عَنْهُ، وهُم يُفَرِّقُونَ بَيْنَ: مَن آمَنَ لَه، وآمَنَ بِه؛ فالأوَّلُ يُقالُ لِلمُخْبِرِ، والثَّاني يُقالُ لِلْمُخْبَرِ بِه؛ كَما قَالَ إخْوَةُ يُوسُفَ: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: 17]، وقالَ تَعَالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} [يونس: 83].
وقالَ تَعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 61]، ففَرَّقَ بَيْنَ إيمَانِه بِاللَّهِ وإيمانِه للمُؤْمِنين؛ لأنَّ المُرادَ يُصَدِّقُ المُؤْمِنينَ إذا أخْبَرُوهُ، وأمَّا إيمانُهُ باللَّهِ فَهُوَ مِن بَابِ الإقْرارِ بِه، ومِنْه قَوْله تَعالى عَن فِرْعَوْنَ ومَلَئه: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [المؤمنون: 47]؛ أَي: نُقِرُّ لَهُما ونُصَدِّقُهُما، ومِنْهُ قَوْلُه: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75]، ومِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إنِّي مُهَاجِرٌ إلَى رَبِّي} [العنكبوت: 26]"،،
والله أعلم.