أثر القرآن على القلوب وسبيل تدبره
يكثر أن نقرأ في سير بعض التابعين -رحمهم الله- أن فلانًا صُعِق لما سَمِع آية من كِتاب الله، وربما قيل: إن فلانًا الآخر توفي، وغيرها من أشباهها، فلماذا لم يُروَ عن بعض الصحابة مثل ذلك؟
يقرر أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام أن القرآن قويّ وثقيل ووقعه على القلوب شديد، لكنه نزل على قلبه -عليه الصلاة والسلام- وهو في حال من القوة تحتمل هذا القرآن، تحتمل هذا القول الثقيل، وكذلك صحابته -رضوان الله عليهم- فهم يستشعرون عظمة القرآن، وفي قلوبهم من القوة ما يحتمل هذا القول الثقيل، ذهب الصحابة وجاء بعدهم التابعون، وهم من الفضل والدين والعلم والاستشعار لعظمة هذا القرآن بالمنزلة الرفيعة العالية، يستشعرون عظمة هذا القرآن وثِقله، ومع ذلك قلوبهم ضعفت ليست كقلوب الصحابة، فنزل هذا القول الثقيل على قلوب أضعف من قلوب الصحابة، فحصل لهم ما حصل من الغُشِيّ، وقد يحصل لبعضهم من الصَّعَق ما يحصل.
يُذكر في ترجمة زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى أنه سمع الإمام يقرأ في صلاة الصبح: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [سورة المدثر، آية: 8]، فصُعِق فمات. على أن من أهل العلم من يُنكر وجود مثل هذا الأمر، حتى أن ابن سيرين قيل له مثل هذا القول، فقال: يُوضع هذا الشخص على جدار، ثم يُقرأ عليه القرآن؛ إن سقط من الجدار فهو صادق. كأنه يشكك في وجود مثل هذا، لكن كثرة الحوادث والوقائع التي حصلت في عهد التابعين تدل على أن له أصلا.
ولا شك أن القرآن عظيم وثقيل: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [سورة المزمل، آية: 5]، وهذا الثقل لا يحتمله أي قلب لا سيما مع استشعار عظمته وثقله، لا سيما مع ضعف القلوب.
قد يقول قائل: هل قلوب المتأخرين أقوى من قلوب التابعين؟ نقول: لا، بل أضعف، لكنها لا تستشعر عظمة هذا القرآن، وقد قال قائل: إن زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى أول مرة يسمع الآية، أو أول مرة يتلو الآية، لماذا لم يمت قبل هذا الوقت؟ نقول: سمع هذه الآية، لكن الإيمان يزيد وينقص، فقد يزيد في وقت من الأوقات ويصل إلى حد يتأثر أكثر من وقت آخر.
وعلى كل حال هذا وُجِد، وشيخ الإسلام يقرُّ به ويقرره ويحمله على هذا المحمل، ومن نفاه كابن سيرين له رأيه ووجهة نظره، على كل حال هذا يدل على صدق وعلى يقين، وعلى قوة إيمان واستشعار لعظمة الله ولعظمة كلام الله، وتعظيم لشعائر الله، بخلاف ما حصل عند المتأخرين الذين يُقرأ عليهم القرآن فلا يتأثرون؛ قد يتأثر بعض الناس ويبكي، ثم بعد ذلك -بعد وقت يسير- كأن شيئا لم يكن، ومعلوم أن التأثر بالقرآن عند الصحابة يستمر لوقت الطويل، ويُعاد بعضهم، يمرض بسبب ما سمع وتأثر به، لكن القلوب غطى عليها الران، بسبب التخليط في المكاسب وفي المطعم: {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [سورة المطففين، آية: 1].
وعلى كل حال نسأل الله -جل وعلا- أن يمدنا بعفوه وغفرانه، وزيادة الإيمان به، والركون إلى كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-.
المقدم: شيخنا ما السبيل إلى أن تحيا القلوب، وتُقبل على كتاب الله وتتأثر بكتاب الله؟
السبيل الوحيد أن يُقرأ القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل، شيخ الإسلام يقول: قراءة القرآن على الوجه المأمور به تزيد القلب يقينا وطُمَأنينة، وتزيد الإيمان وتُمِدُّه بشيء لا يدركه إلا من فعل، وابن القيم -رحمه الله- يقول:
فتدبر القرآن إن رُمت الهدى فالعلم تحت تدبر القرآن.
عبد الكريم بن عبد الله الخضير
عضو هيئة التدريس في قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وحاليا عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
- التصنيف:
- المصدر: