من كان سفره دائماً، فهل له أن يترخص برخص السفر؟
نحن عمال الشركة التونسية للملاحة، نسافر من تونس إلى إيطاليا، ونعود على تونس، وفي نفس اليوم نسافر إلى فرنسا، ولنا راحة أسبوعية يوم، ونبقى على هذا المنوال مدة 3 أو 4 أشهر.
فهل لنا حكم المسافر من قصر وجمع للصلاة؟
وعندما نعود إلى تونس ونكون في انتظار الباخرة لنسافر في نفس اليوم (مدة الانتظار 4 ساعات تقريبا).
فهل لنا حكم المسافر في تلك الأثناء؟
مع العلم أن هناك من العمال من يسكن قريبا من الميناء.
وعند يوم الراحة هناك من لا يرجع إلى منزله بحكم البعد، فهل له حكم المسافر؟
وإن كنا في حكم المسافر هل نستطيع قصر صلاة في طريقنا إلى الباخرة؟
الحمد لله تعالى
أولاً:
المسافر الذي من شأنه السفر دائما، كالملاحين في السفينة، وسائقي القطارات وسيارات الأجرة والطيارين، هؤلاء إذا سافروا، فلهم أن يترخصوا برخص السفر في حال سيرهم، فإن وصلوا إلى محل إقامتهم، فيلزمهم إتمام الصلاة؛ لأن وصف السفر قد انقطع عنهم، كما يلزمهم – على مذهب الجمهور – أن يتموا الصلاة إذا نزلوا ببلد، ونووا الإقامة فيه أربعة أيام، فأكثر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وَيُفْطِرُ [يعني: ويقصر الصلاة]: مَنْ عَادَتُهُ السَّفَرُ إذَا كَانَ لَهُ بَلَدٌ يَأْوِي إلَيْهِ، كَالتَّاجِرِ الْجَلَّابِ الَّذِي يَجْلِبُ الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ مِنْ السِّلَعِ، وَكَالْمُكَارِي الَّذِي يَكْرِي دَوَابَّهُ مِنْ الْجُلَّابِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَالْبَرِيدِ الَّذِي يُسَافِرُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْمَلَّاحُ الَّذِي لَهُ مَكَانٌ فِي الْبَرِّ يَسْكُنُهُ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ امْرَأَتُهُ وَجَمِيعُ مَصَالِحِهِ وَلَا يَزَالُ مُسَافِرًا فَهَذَا لَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ" انتهى من (مجموع الفتاوى:25/213).
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: ماذا عن الرجل المسافر على الدوام، كأن يكون سائقا بين المدن، هل الأفضل له القصر أم الإتمام، وعلى هيئتها بقية الرخص في السفر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: "المسافر الذي من شأنه السفر مثل سائق التكس أو الجمال، إن كان يسافر على الإبل مثل ما مضى من الزمان له القصر مدة السفر، وله الجمع مدة السفر، فإذا وصل إلى بلده لم يقصر ولم يجمع، وإذا وصل إلى بلد يريد أن يقيم فيها أكثر من أربعة أيام لم يقصر ولم يجمع، أما ما دام في السفر أو في حكم السفر ولو أن طبيعته السفر، ولو أنه دائم الأسفار، فالحاجة تعمه بنص القرآن والسنة، كلاهما يعمه ويعم غيره، فالإنسان الذي من عادته السفر؛ لأنه جمّال، لأنه صاحب تكس، له أن يقصر في سفره، وفي مدة إقامته في البلد التي يمر بها، إذا كانت الإقامة أربعة أيام فأقل" انتهى من (فتاوى نور على الدرب).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "قصر الصلاة متعلق بالسفر، فما دام الإنسان مسافراً، فإنه يشرع له قصر الصلاة، سواء كان سفره نادراً أم دائماً، إذا كان له وطن يأوي إليه ويعرف أنه وطنه، وعلى هذا فيجوز لسائق الشاحنة أن يترخص برخص السفر من قصر الصلاة، والمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها والفطر في رمضان وغيرها من رخص السفر".
انتهى من (مجموع فتاوى ابن عثيمين:15/264).
فعلى هذا، لكم أن تترخصوا برخص السفر في حالين:
- في حال سفركم إلى البلدين المذكورين في السؤال.
- وفي حال ما إذا كانت الإقامة في تلك البلاد أقل من أربعة أيام، على مذهب الجمهور.
ثانياً:
أما قصر الصلاة في الميناء، فهذا له أحوال:
الأول: أن يكون العامل في الشركة، مقيما في بلد آخر، سوى البلد التي توجد فيها الميناء، فهذا في حكم المسافر أيضا، ولا فرق في حقه بين أن تكون الميناء في دولته، أو في دولة أخرى، وإنما العبرة بمكان إقامته.
الثاني: أن يكون مقيما في نفس البلد، ويكون الميناء داخل حدود عمران المدينة، فهذا إذا وصل إلى الميناء، فقد انقطع عنه حكم السفر، فلا يحل له أن يترخص برخصه؛ فلا يقصر الصلاة، ولا يجمع، ولا يفطر في رمضان.
وإذا كان مبتدئا في سفره، فلا يحل له أن يترخص بشيء من ذلك ما دام في الميناء، بل يبدأ في الترخص إذا فارق عمران المدينة التي يسكنها.
الثالث: أن يكون مقيما في نفس البلد الذي توجد فيه الميناء، لكن الميناء خارج حدود عمران المدينة، غير متصل بمساكنها: فهذا لا ينقطع عنه حكم السفر بمجرد وصول الميناء، بل يبقى يترخص برخص السفر، حتى يدخل حدود عمران المدينة.
وإذا كان مبتدئا في سفره، فإنه يبدأ في الترخص بمفارقة عمران بلده، ولو كان في الميناء، أو في مكان دونه.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: إذا كان في القصيم وخرج إلى المطار، هل يقصر في المطار؟
فأجاب: "نعم يقصر ؛ لأنه فارق عامر قريته، فجميع القرى التي حول المطار منفصلة عنه، أما من كان من سكان المطار: فإنه لا يقصر في المطار؛ لأنه لم يفارق عامر قريته ".
انتهى (الشرح الممتع:4/364).
والله تعالى أعلى وأعلم.
- التصنيف:
- المصدر: