هل يجوز للمقيم في البلاد التي يطول نهارها، أن يعتمد لصومه وصلاته توقيت المملكة العربية السعودية؟
الإسلام سؤال وجواب
- التصنيفات: فقه الصيام - فتاوى وأحكام -
هل يجوز للمقيم في السويد أن يصلي ويصوم شهر رمضان وفق توقيت السعودية، أو أي بلد عربي قريب منه، أو بلده الذي كان يعيش فيه؟
الحمد لله
أولًا:
المقيم في السويد ونحوها من الدول الواقعة قريبا من القطب المتجمد الشمالي، له حالتان:
الحال الأولى:
أن يكون مقيمًا في بلد يتعاقب فيه الليل والنهار، في أربع وعشرين ساعة، فهذا لا يجوز له أن يصوم أو يصلي وفق توقيت بلد آخر، بل يجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعاً، لعموم قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء: 78] .
وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء: 103] .
وليس في الآيات والأحاديث تفريق بين ما إذا طال النهار أو قصر، ما دامت أوقات الصلوات متميزة بالعلامات التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم لدخول أوقات الصلاة وخروجها.
وكذلك يجب عليه أن يصوم نهار رمضان كاملًا، طال النهار أم قصر؛ ويحل له الأكل والشرب والجماع ليلة ذلك اليوم، طالت الليلة أم قصرت؛ لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} إلى قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] .
الحال الثانية:
من كان يقيم في بلد لا يتعاقب فيه الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة، كبلد يكون نهاره يومين، أو أسبوعًا، أو شهرًا، أو أكثر من ذلك، كبلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً، ولا تطلع فيها الشمس شتاءًا، فهؤلاء يجب عليهم أن يصلوا خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في يوم الدجال الذي كالسنة، ويومه الذي كشهر، ويومه الذي كأسبوع، فيقدرون للصلاة والصيام قدرهما في ذلك.
وقد سبق البيان: أن تقدير هذه الأوقات، يكون بالاعتماد على أقرب البلاد التي تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة إليهم.
ينظر تفصيل ما سبق في جواب السؤال رقم: (106527).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ومن أفتى بأن من كان في بلد يطول نهاره عليه، فإنه يصوم بقدر نهار المملكة العربية السعودية، فقد غلط غلطًا بينًا وخالف الكتاب والسنة، وما علمنا أن أحدًا من أهل العلم قال بفتواه.
نعم من كان في بلد لا يتعاقب فيه الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة، كبلد يكون نهارها يومين، أو أسبوعًا، أو شهرًا، أو أكثر من ذلك ..
فقد اختلف العلماء المعاصرون: فيم يقدر الليل والنهار في البلاد التي يكون ليلها ونهارها أكثر من أربع وعشرين ساعة؟
فقال بعضهم: يقدر بالتساوي، فيجعل الليل اثني عشر ساعة والنهار مثله، لأن هذا قدرهما في الزمان المعتدل والمكان المعتدل.
وقال بعضهم: يقدر بحسب مدتهما في مكة والمدينة، لأنهما البلدان اللذان نزل فيهما الوحي، فتحمل مدة الليل والنهار على المعروف فيهما، إذا لم تعرف للبلد مدة ليل ونهار خاصة به.
وقال بعضهم: يقدر بحسب مدتهما في أقرب بلد يكون فيه ليل ونهار يتعاقبان في أربع وعشرين ساعة، وهذا أقرب الأقوال إلى الصحة، لأن إلحاق البلد في جغرافيته بما هو أقرب إليه: أولى من إلحاقه بالبعيد، لأنه أقرب شبها به من غيره". انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" (19/309).
ثانيًا:
معلوم ما يجد أهل تلك البلاد من مشقة الصيام صيفًا نظرًا لطول نهارهم، ولن يضيع الله أعمالهم وصبرهم، والثواب في العبادة يكثر بكثرة النصب فيها، ما دام أن العبد لم يتقصده، وقد جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها عند خروجها للعمرة: « » رواه البخاري (1787) ، ومسلم (1211) .
ومن عجز عن إتمام صوم يومه لطوله: جاز له أن يفطر، ويقضي الأيام التي أفطرها في أي يوم من السنة أمكنه فيه القضاء، حتى لو كان نهار ذلك اليوم ساعتين أو ثلاث، كما هو حال بعض البلاد.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لو شق الصوم في الأيام الطويلة مشقة غير محتملة ... ويخشى منها الضرر على الجسم، أو حدوث مرض، فإنه يجوز الفطر حينئذ، ويقضي في الأيام القصيرة، لقوله تعالى في سياق آيات الصيام : {يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185] ، وقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّـهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78] وقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286]" انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل العثيمين " (19/309) .
ثالثًا:
إذا كانت بعض الصلوات يتمايز وقتها، وبعضها لا يتمايز، فيجب صلاة ما يتمايز، في وقتها المحدد، وما لا يتمايز فيقدر لها.
ويظهر ذلك في السويد وما يحاددها في صلاة العشاء، حيث يطلع الفجر قبل غيبوبة الشفق الذي به يدخل وقت صلاة العشاء.
والصحيح من قولي أهل العلم: أنه يجب عليهم أن يصلوا العشاء، ويقدروا لوقتها قدره، خلافًا لبعض علماء الحنفية الذين يسقطونها لعدم وجود السبب وهو الوقت. ينظر "مراقي الفلاح" (ص 73).
جاء في "حاشية الروض المربع" : "وفاقد وقتها، كبلغار: مكلف بهما، فيقدر لها، كما يقدر في أيام الدجال، لما ثبت في صحيح مسلم قال: « » ... وأفتى السرخسي والبلقاني بسقوطه عنهم، وأفتى غيرهما بوجوبه، وهو أوجه؛ قياسا على أيام الدجال" . انتهى من "حاشية الروض المربع" (1/468).
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "عن بلاد يتأخر فيها مغيب الشفق الأحمر الذي به يدخل وقت العشاء ويشق عليهم انتظاره؟
فأجاب بقوله: إن كان الشفق لا يغيب حتى يطلع الفجر، أو يغيب في زمن لا يتسع لصلاة العشاء قبل طلوع الفجر، فهؤلاء في حكم من لا وقت للعشاء عندهم، فيقدرون وقته بأقرب البلاد إليهم ممن لهم وقت عشاء معتبر، وقيل يعتبر بوقته في مكة لأنها أم القرى.
وإن كان الشفق يغيب قبل الفجر بوقت طويل يتسع لصلاة العشاء، فإنه يلزمهم الانتظار حتى يغيب، إلا أن يشق عليهم الانتظار، فحينئذ يجوز لهم جمع العشاء إلى المغرب جمع تقديم، دفعًا للحرج والمشقة لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، ولقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر"، قالوا: ما أراد إلى ذلك؟ قال: "أراد أن لا يحرج أمته"، أي لا يلحقها الحرج بترك الجمع" انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (12/206).
والله أعلم.