حكم صبغ الشعر لمن أراد أن يضحي
هل يجوز صبغ الشَّعر أثناء الإحرام للأضحية؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالأضحية ليس لها إحرام كما يظن البعض، غير أنَّه مِن الواجب على من أرادَ أنْ يُضَحِّي ألا يأخُذَ مِن شَعْره ولا مِن أظافرِه، إذا دَخَلَ شَهرُ ذِي الحِجَّة، وقد قيل: إن الحكمة في ذلك، التشبه بالمحرم، وهو غلط؛ لأن المضحي لا يعتزل النساء، ولا يترك الطيب، واللباس، وغير ذلك مما يتركه المحرم، والذي يظهر، أن الحكمة بقاء المضحي كامل الأجزاء؛ للعتق من النار.
وروى مُسلم مِن حَديث أُمِّ سَلَمة، قال رسولُ اللهِ - صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم -: « ».
وذهَبَ الجمهور إلى أن ذلك مكروه فقط، وذهب أحمَدُ، وإسحاقُ، وابن حزم إلى أنَّهُ يَحرُم؛ لظاهر الحديث، ولأن الأصل في النَّهي التحريم.
قال ابن قدامة في "المغني": "(ومن أراد أن يضحي، فدخل العشر، فلا يأخذ من شعره، ولا بشرته شيئًا). ظاهر هذا، تحريم قص الشعر، وهو قول بعض أصحابنا، وحكاه ابن المنذر عن أحمد، وإسحاق، وسعيد بن المسيب، وقال القاضي، وجماعة من أصحابنا: هو مكروه، غير محرم، وبه قال مالك، والشافعي؛ لقول عائشة: "كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يقلدها بيده، ثم يبعث بها، ولا يَحرم عليه شيء أحله الله له، حتى ينحر الهدي"؛ متفق عليه.
وقال أبو حنيفة: لا يكره ذلك؛ لأنه لا يحرم عليه الوطء واللباس، فلا يكره له حلق الشعر، وتقليم الأظفار، كما لو لم يرد أن يضحي.
ولنا ما روت أم سلمة... ومقتضى النهي، التحريم، وهذا يرد القياس ويبطله، وحديثهم عام، وهذا خاص، يجب تقديمه، بتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص".
وقال البهوتي - رحمه الله - في "كشاف القناع": (ومن أراد التَّضحية) أي: ذبْح الأضحية، (فدخل العشر، حرُم عليه وعلى من يضحَّى عنْه أخْذ شيءٍ من شعرِه وظفره وبشرته إلى الذبح؛ لحديث أم سلمة، وذكر الحديث ثم قال: "فإن فعل" أي: أخذ شيئًا من شعره أو ظفره أو بشرته، (تاب) إلى الله تعالى؛ لوجوب التَّوبة من كلّ ذنب، قلتُ: وهذا إذا كان لغير ضرورة، وإلاَّ فلا إثم".
وقال أبو محمد بن حزم في "المحلى": "إن قيل: كيف لا تكون فرضًا – أي: الأضحية - وأنتم ترون فرضًا على من أراد أن يضحي: أن لا يمس من شعره، ولا من ظفره، إذا أهل هلال ذي الحجة، حتى يضحي؟ قلنا: نعم؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك من أراد أن يضحي، ولم يأمرنا بالأضحية، فلم نتعد ما حدَّ، وكل سنة ليست فرضًا، فإن لها حدودًا مفروضة، لا تكون إلا بها، كمن أراد أن يتطوع بصلاة، ففرض عليه ألا يصليها إلا بوضوء، وإلى القبلة، إلا أن يكون راكبًا، وأن يقرأ فيها، ويركع، ويسجد، ويجلس، ولا بد، وكمن أراد أن يصوم، ففرض عليه، أن يجتنب ما يجتنبه الصائم، وإلا فليس صومًا، وهكذا كل تطوع في الديانة، والأضحية كذلك".
والظاهر أن القول بالتحريم أقوى؛ لأن حديث أم سلمة أخص مطلقًا من حديث عائشة، فيبنى العام على الخاص.
والمراد بالنهي عن أخذ الظفر والشعر، النهي عن تقليم الظفر، أو كسره، والنهي عن حلق الشعر، أو تقصيره، أو نتفه، وما شابه، فلا يدخل في ذلك صبغ الشعر.
وعليه، فيجوز صبغ الشَّعر لمن أراد الأضحية، مع تجنُّب الصبغ بالسواد،،
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: