لا يحج النافلة إلا بإذن والديه
رجل له رغبة في الحج هذه السنة مع زملائه. ولم يسمح له أبوه في الحج هذه السنة، وهو لا يحب أن يعصي والده. فهل يجوز لأبيه منعه من الحــج أم لا؟ وهــل يصح لــه أن يحــج بــدون إذن أبيـه أم لا؟ مع أن بيده من النقود ما يكفيه لنفقات الحج وغيره، يعني ليس على أبيه خسارة من نفقة حجه.
إن كــان الابــن لم يحــج فريضــة الإسلام وقصْدُه الآن حــجَّ فريضـة الإسلام- فلا يجوز لأبيه منعه من الحــــج، ولو منعه جــاز له أن يحج بدون إذنه؛ لأن الحج على الفور، وتركه معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وإن كان حَجُّه تطوعا، فلا يجوز له الحج إلا بإذن أبيه- ولو لم يكن لأبيه به حاجة، أو لم يخش عليه ضررا-؛ لأن حق الوالد عظيم. وقد قرن اللَّـه حقه بحق الوالدين، وأوجب على الولد الإحسان إليهما. ومن ذلك ألا يسافر إلا بإذنهما. لكن ينبغي للأب أن يتسامح مع ابنه ويأذن له بالحج ما لم يكن ضرر يحذره الأب، أو يكن للأب حاجة بابنه تستدعي بقاءه، أو يكن هناك ظروف وملابسات توجب عدم السفر للحج هذه السنة. فإن لم يكن شيء مما ذكر، فينبغي للأب أن يأذن لابنه؛ تطييبا لنفسه، ولما في الحــج من المصالح والمنافع المتعددة. قال ابن أبي عمر في «الشــرح الكبير» (1): (فصــل) ولــيس للــوالد مــنعُ ولــده مــن حـج الفرض والنذر، ولا تحليله من إحرامه. وليس للولد طاعته في تركه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (2) . فأما التطوع فله منعه من الخروج؛ لأن له منعه من الغزو- وهو من فروض الكفايات- فالتطوع أولى. فإن أحرم بغير إذنه لم يملك تحليله؛ لأنه وجب بالدخول فيه، فصار كالواجب ابتداء، أو كالنذر.اهـ.
وقال في «مطالب أولي النهى» (3): ولكل من أبوي بالغٍ منعه من إحرامٍ بنفلٍ -حج أو عمرة- ولا يحللانه إذا أحرم، وتحرم طاعتهما -أي والديه- في معصية: كترك حج وسفر لعلم واجبين؛ لحديث: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» . وليس لهما منعه من سنة راتبة على الأصح. قال أحمد فيمن يتأخر عن الصف الأول لأجل أبيه: لا يعجبني، هو يقدر يَبَـرُّ أباه في غير هذا.
ووقع خلاف بين الأصحاب في وجوب طاعتهما في المباح: كالبيع والشراء والأكل والشرب. فقيل: يلزمه طاعتهما فيه، ولو كانا فاسقين. هذا ظاهر إطلاق الإمام أحمد. فعلى هذا لا يسافر لنحو تجارة إلا بإذنهما. وقال الشيخ تقي الدين (4): هذا -أي وجوب طاعتهما- فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر عليه، فإن شق عليه ولم يضره وجب، وإلا فلا.
ويتوجب صحة هذا القول -أي وجوب طاعتهما- في المباح في سفره، وفي كل ما يخافان عليه منه: كسباحة في ماء كثير، ومسابقةٍ على نحو خيل. وهذا اتجاه حسن.
وأما ما يفعله الحر البالغ حضرا: كصلاة النافلة ونحو ذلك من المستحبات الشرعية. فقال ابن مفلح في «الآداب» (5): لا يُعتبر فيه إذنُهما، ولا أظن أحدا يعتبره، ولا وجه له قطعا، والعمل على خلافه. انتهى ما قاله في «الآداب» . وهو صحيح بلا ارتياب. انتهى. وفي «الاختيارات» (6): ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين. وهو ظاهر إطلاق الإمام أحمد -رحمه اللَّـه-.انتهى. واللَّـه أعلم.
_______________________________________
[1] -(3/ 178) ط. دار الفكر.
[2] - أخـــرجه بالنص الموجـــود أبـــو نعيم في «أخبار أصبهان» (1/133) والخطيب في «تاريخ بغداد» (3/ 145)، (10/22) وابن أبي شيبة (2/ 546).
[3] -«مطالب أولي النهى» (2/277).
[4] -«الاختيارات» (114).
[5] -(1/ 435).
[6] - ص (114).
عبد الله بن عبد العزيز العقيل
كان الشيخ عضوا في مجلس القضاء الأعلى ومن هيئة كبار العلماء في المملكة. توفي رحمه الله عام 1432هـ .
- التصنيف:
- المصدر: