لا تسقط الجمعة عمَّن لم يصل العيد
فضيلتكم تعْلمون أنَّ العيد جاء يوم الجمعة، عندي استِفْسار عن أخٍ كريم، وهذا الأخ الفاضِل لم يصلِّ صلاة العيد؛ لاعتِقادِه بأنَّها "سنة مؤكدة"، وفي ساعات الظُّهر لَم يحضر صلاةَ الجمعة؛ لاعتِقاده أنَّ صلاة العيد قد أسقطتْ صلاة الجمعة، فما حكم هذا العمل؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد سبق حُكم صلاة العيدين في الفتوى: "حكم صلاة العيديْن مع الدليل على المذاهب الأربعة".
أمَّا مسألة اجتماع العيد والجمعة، فللعُلماء فيها أقوال:
فذهب الجمهور من الحنفيَّة والمالكيَّة والظَّاهريَّة إلى أنَّه: إذا وافق العيدُ يومَ الجمعة، فلا يباح لمن شهِد العيد التّخلُّف عن الجمعة، وهو مذهب الشَّافعي، غير أنَّه يرخِّص لأهل القرى الَّذين بلغهم النِّداء، وشهدوا صلاة العيد ألاَّ يشْهدوا صلاة الجمعة.
وذهب الحنابلة إلى أنَّه: مَن شهِد العيد سقطت عنه الجمُعة؛ إلاَّ الإمامَ لا تسقط عنْه، إلاَّ أن لا يجتمع معه مَن يصلي به الجمعة، ولكن يجب على من لم يصل الجمعة أن يصليها ظهراً، وهذا القول هو الَّذي تؤيِّدُه الأدلَّة وعمل الصحابة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحِمه الله تعالى -: "إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد، فللعُلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّه تجب الجمعة على مَن شهد العيد، كما تجب سائر الجُمَع؛ للعمومات الدالَّة على وجوب الجمعة.
الثاني: تسقط عن أهل البَر، مثل أهل العوالي والشَّواذّ؛ لأنَّ عثمان بن عفَّان أرخص لهم في ترك الجمعة لمَّا صلَّى بهم العيد.
والقول الثالث - وهو الصَّحيح -: أنَّ مَن شهد العيد سقطتْ عنه الجمعة؛ لكن على الإمام أن يقيم الجمعة؛ ليشهدَها مَن شاء شهودها، ومن لم يشهد العيد، وهذا هو المأثور عن النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم – وأصحابِه؛ كعمر، وعثمان، و ابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير، وغيرهم، ولا يعرف عن الصَّحابة في ذلك خلاف، وأصحاب القولين المتقدّمين لم يبلغهم ما في ذلك من السنَّة عن النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمَّا اجتمع في يومِه عيدان، صلَّى العيد ثمَّ رخَّص في الجمعة، وفي لفظ أنَّه قال: « » .
وأيضًا: فإنَّه إذا شهِد العيد، حصل مقصود الاجتماع، ثمَّ إنَّه يصلّي الظهر إذا لم يشْهد الجمعة، فتكون الظّهر في وقتها، والعيد يحصل مقصود الجمعة.
وفي إيجابها على النَّاس تضْييق عليهم، وتكدير لمقصود عيدهم، وما سنَّ لهم من السرور فيه والانبساط، فإذا حُبسوا عن ذلك، عاد العيد على مقْصوده بالإبطال، ولأنَّ يوم الجمعة عيد، ويوم الفطر والنحر عيد، ومن شأْن الشَّارع إذا اجتمع عبادتان من جنسٍ واحد، أدْخَل إحْداهما في الأخرى، كما يدخل الوضوء في الغسل، وأحد الغسلين في الآخر، والله أعلم". اهـ.
ويتبين من مذاهب العلماء، وكلام شيخ الإسلام السابق، أن من رخص من أهل العلم في ترك الجمعة إذا اجتمعت مع العيد، خصه بمن شهد العيد، ومن لم يشهد العيد، تلزمه الجمعة؛ ولعموم الأدلة القاضية بوجوب الجمعة، ولا يقاس على من شهد العيد؛ لتخلف علة الترخيص، والقياس الصحيح - الذي وردت الشريعة به - هو التسوية بين المتماثلين، وإنكار التفريق بينهما، والفرق بين المختلفين، وإنكار الجمع بينهما، فالجمع بين المتماثلين، قياس الطرد، والفرق بين المختلفين، قياس العكس.
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": "الاستدلال جميعه على التسوية بين المتماثلين، والفرق بين المختلفين؛ فإنه إما استدلال بمعين علي معين، أو بمعين على عام، أو بعام على معين، أو بعام على عام، فهذه الأربعة هي مجامع ضروب الاستدلال".
- التصنيف:
- المصدر: