الأكل من المال المختلط

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه المعاملات -
السؤال:

والد زوْجتي موظَّف حكومي يتقاضَى رشْوة في بعْض الأحيان؛ ممَّا يخلط مع راتبه، وهذا منعني من تناوُل الطَّعام في دارِهم. وأمَّا بِخصوص زوْجتي، فلا تَستطيع الامتِناع؛ لأن ذلك يسبِّب بعض المشاكل، وأنتُم أعلم بذلك.

أفتونا جزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فقدِ اختلفَ العُلماء في معاملة مَن مالُه مختلط؛ فأجازَه البعضُ بشرْط ألاَّ يغلب الحرام على الحلال، ويَحرم ‏إذا غلب الحرام، كما هو المعتمَد عند المالكيَّة؛ قال في "حاشية الدُّسوقي":

"اعلَمْ أنَّ مَن أكثرُ مالِه حلالٌ وأقلُّه حرام: المعتمد جوازُ معاملتِه ومداينتُه والأكْل من ماله، كما قال ابنُ القاسم، خلافًا لأصبغ، القائل بِحُرمة ذلك، وأمَّا مَن أكثرُ مالِه حرام، والقَليل منه حلال، فمذهبُ ابن القاسم: كراهةُ معاملتِه ومداينتِه والأكْلِ من ماله، وهو المعتمَد، خلافًا لأصبغ المحرِّم لذلك، وأمَّا مَن كان كلُّ مالِه حرامًا، وهو المراد بِمستغرق الذّمَّة، فهذا تمنَع معاملتُه ومداينتُه، ويُمنع من التَّصرُّف المالي وغيره".

والمشْهور عند الشَّافعية: أنَّ المختلط إذا كان أكثرُه حرامًا أنَّه مكروه، وقال الغزالي منهم: حرم الأخذُ منه، كما في "
المجموع" للنَّووي.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: "ولوِ اختلطتِ الأعْيان الَّتي يَملكها بالأثْمان التي غصَبَها وأخذَها حرامًا، مثل أن تَختلِط دراهمُه ودنانيرُه بما غصبَه من الدَّراهم والدَّنانير، واختلط حَبُّه أو ثَمره، أو دقيقُه أو خلُّه، أو ذَهَبُه، بما غصبَه من هذه الأنواع - فإنَّ هذا الاختلاط لا يُوجب تحريم مالِه عليه؛ لأنَّ المحرَّمات نوعان:
محرَّم لوصفِه وعيْنِه، كالدَّم والميْتة ولحم الخنزير، فهذا إذا اختلَطَ بالمائع، وظهر فيه طعم الخبث أو لونُه أو ريحه - حرم.
ومحرَّم لكسبِه، كالنقْدَين والحبوب والثِّمار وأمثال ذلك، فهذه لا تحرم أعيانُها تحريمًا مُطْلقًا بِحال، ولكن تحرم على مَن أخذَها ظُلْمًا أو بوجْهٍ محرَّم، فإذا أخَذَ الرَّجُل منها شيئًا وخلَطه بِماله، فالواجب أن يخرج من ذلك القدْر المحرم، وقدر ماله حلال له، ولو أخرج مثله من غيره، ففيهِ وجهان في مذْهَب الشَّافعي وأحْمد، أحدهما: أنَّ الاختِلاط كالتَّلف، فإذا أخرج مثلَه أجزأ، والثَّاني: أنَّ حقَّ المظلوم يتعلَّق بالعَين مع الخلط، فلا بدَّ أن يخرج قدر حقِّ المظلوم من ذلك المال المختلط".

وقد سُئِلَ - رحِمه الله - عن الرَّجُل إذا كان أكثر مالِه حلالاً، وفيه شبهة قليلة، فإذا أضاف الرَّجُل أو دعاه، هل يُجيبه أم لا؟

فأجابَ:
"الحمد لله، إذا كان في التَّرك مفسدة - من قطيعةِ رحِم أو فسادِ ذات البين، ونحو ذلك - فإنَّه يُجيبه؛ لأنَّ الصِّلة وصلاح ذات البين واجبٌ، فإذا لم يتمَّ إلاَّ بذلك، كان واجبًا، وليْست الإجابة محرَّمة.

أو يقال: إنَّ مصلحة ذلك الفِعْل راجحةٌ على ما يخاف من الشُّبهة، إن لم يكن فيهِ مفسدة؛ بل التَّرك مصلحة توقيّه الشبهةَ، ونهي الدَّاعي عن قليل الإثم، وكان في الإجابة مصلحة الإجابة فقط، وفيها مفسدة الشبهة، فأيُّهما أرجح؟ هذا فيه خلاف فيما أظنُّه، وفروع هذه المسْألة كثيرة، قد نقل أصحابُنا وغيرُهم فيها مسائل، قد يرجِّح بعضُ العلماء جانبَ التَّرْك والورَع، ويرجِّح بعضُهم جانب الطاعة والمصْلحة".

وقال: "إن عرف الحرام بعينِه، لم يأكل حتمًا، وإن لم يعْرِف عينَه، لم يحرم الأكل منه، لكن إذا كثُر الحرام، كان متروكًا ورعًا".


وعليه؛ فالظَّاهر أنَّه يجوز لزوجتِك الأكل من مال أبيها،،

والله أعلم.