البذخ والإسراف في الحج
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
- التصنيفات: فقه الحج والعمرة -
ما رأيكم فيما تقوم به بعض حملات الحج والعمرة من تصنيف لخدماتها الفاخرة للمباهاة في المطعم والمشرب والمسكن.. إلخ، حيث وصلت بعض الأسعار لدى بعض الحملات إلى 60.000 ريال مما يخل بمفهوم الاستطاعة لأداء هذا الركن؟ وما نصيحتكم لأصحاب الحملات الذين أمنوا على حجاج بيت الله وضيوفه وعُمَّاره؟
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على محمد نبيه وعبده وعلى آله وصحبه
وبعد فإن الحج إلى بيت الله الحرام ركن من أركان الإسلام، فرضه الله تعالى بقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} وبيَّن النبي- صلى الله عليه وسلم- فضله وثوابه بقوله: « » وقد علم الله أن الكثير من الناس لا يستطيعون الحج لمشقة البُعد والفقر والعجز البدني فخص الوجوب بمن قدر عليه وملك زادا وراحلة أو أجرة الإركاب والنفقة وأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- أن الحج واحدة في العمر فما زاد فهو تطوع، وقد كان سفر الحج سابقًا فيه الكثير من التعب والنصب والمشقة وطول المُدة، فبعد أن يسر الله سبحانه المراكب الجديدة ووسائل النقل كالسيارات والقطارات الحديدية والباخرات البحرية والطائرات الجوية فقد أصبح السفر سهلا ويسيرًا، وقد يُعتبر نزهة وسفرًا في غاية السهولة والحمد لله، وفي هذه الأزمنة وفي هذه المملكة وما حولها من الدول العربية والإسلامية توجد حافلات كبيرة تحمل العديد من الأفراد مما يسهل معه دفع أجرة يسيرة لا تكلف الراكب إلا شيئًا يسيرًا، ولكن مع الأسف أن أصحاب تلك الحافلات أصبحوا يسرفون في النفقات حيث يجمعون العديد من الأفراد ويُرغِّبون من يصحبهم بمنازل شاهقة وفرش وسرر مرفوعة وأكواب ونمارق وبأنواع المأكولات الشهية واللحوم والفواكه والمشروبات المنوعة لقصد ترغيب أكابر الناس وأثريائهم الذين يسخون ببذل الأموال الطائلة ولا يهمهم ما دفعوا حتى صار الحج يكلف الفرد عشرات الألوف فيربح أصحاب الحملات ربحًا زائدًا ويحصل الإسراف والإفساد للكثير من الأموال وإراقة نعم الله وإفساد الأطعمة والأشربة، حتى صار هذا النوع مكلفًا كثيرًا لا يقدر عليه إلا أهل الثروات والأموال الطائلة، ولا شك أن هذا مخالف للفطرة والسُنة، وقد ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- حج على رحل يسير وأدوات لا تُكلف إلا دراهم معدودة ودعا ربه أن لا يكون في عمله رياء ولا سُمعة ولا فخر ولا إعجاب، وهكذا يكون حج أهل التواضع الذين يخلصون في أعمالهم ويرغبون في مضاعفة أجرهم، فإن الأجر على قدر النصب والتعب ولا يحصل إلا لمن صبر على المشقة والصعوبات رجاء قبول حجه وثواب ربه.
ثم إننا ننصح أصحاب تلك الحملات وغيرها بأن يقوموا بما يقدرون عليه من الخدمة لحجاج بيت الله تعالى وأن يبذلوا الجهد في إراحتهم وينصحوا لله ولعباد الله ولا يكون قصدهم الكسب والأرباح الدنيوية، وعليهم الصبر على ما يلاقونه من الكلام والإنكار مع بيان ما يلزمهم لمن صحبهم ومع بذل الجهد والاستطاعة في ما يتطلبه سفر الحج وما التزموا به من الخدمة وأسباب الراحة مع بيان ما سوف يقومون به لكل من صحبهم قبل الالتزام وذلك لأنهم مؤتمنون على إخوانهم المسلمين، فمتى كان الدافع لهم إرادة وجه الله تعالى فإنه سوف يرزقهم ويخلف عليهم ما أنفقوا ويُضَاعف لهم الأجر عاجلا وآجلا؛ فإن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيه ملك عادل، وقد قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} نعوذ بالله من النار ومن غضب الجبار ومن عذاب الكُفار، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم-.